الصادق المهدي الشريف [email protected] جماعة (الإخوان المسلمين) في مصر هي واحدة من القوى السياسية التي تتطلع لحكم الدولة المصرية في الحقبة التي تلي مبارك. وهذا طموحٌ مشروع... فأيِّ حزب له الحق في الحلم بالوصول الى السلطة والتخطيط وتنظيم الصفوف لتحقيق هذا الحلم... بيد أنّ الإخوان المسلمين ليسوا حزباً. فالجماعة لها رأي في أنّ مفهوم الأحزاب هو مفهوم غربي علماني، بل وسمَّى بعضهم أحزاب مصر ب(أحزاب الشيطان). ورغم ذلك تُرشح الجماعة منسوبيها (كمستقلين) في الإنتخابات التشريعية (إنتخابات مجلس الشعب)، وحصلت في آخر إنتخابات معترف بها (إنتخابات 2005م) على 88 مقعداً نيابياً. كانت الجماعة وما زالت من أقوى التكوينات المصرية صداماً مع الحكومات المتعاقبة منذ حكومة عبد الناصر، الذي هادنهم في البدء، ثُمّ أطبق عليهم بعد أن رفض مطلبهم بعرض قراراته على مجلس شورى الجماعة لمعرفة تطابقها مع مبادئ الإسلام، ثمّ إتهامه لهم بمحاولة إغتياله. وبعد ذلك حكومة محمد أنور السادات. ثمّ أخيراً حكومة محمد حسني مبارك. لم تتمكن الجماعة من حكم مصر في يومٍ من الأيام، وهذا ما يجعل تجربتها السياسية (فطيرة) وغير ناضجة. كما أنّهم لا يملكون برنامجاً متكاملاً لحل قضايا مصر تحديداً، غير عبارتهم الشهيرة (الإسلام هو الحل). فقضايا مصر تختلف عن كلّ قضايا الدول العربية، لأنّ وضع مصر الجغرافي والتاريخي يختلف عن أوضاع كلّ الدول العربية، هذا الوضع جعلها هي المستهدف الأول في المنطقة من قبل كل الحملات الإحتلالية والإستعمارية. منذ دخول الاقباط إليها ثُمّ المسلمين مروراً بالأتراك والفرنسيين والإنجليز... كُنّا بنقول في شنو؟؟؟. نعم... عصام العريان، أحد قادة جماعة الإخوان ذكر أنّ برنامجهم للمرحلة القادمة هو (تعزيز الحريات العامة بمختلف أشكالها، وتحقيق أكبر قدر من التماسك والتضامن الاجتماعي والحرص على تقوية الوحدة الوطنية ونزع فتيل التوترات الطبقية والحفاظ على المساواة الكاملة وتكافؤ الفرص بين الجميع على قاعدة المواطنة الكاملة والوقوف بكلِّ قوة ضد الليبرالية المتوحشة وحماية الضعفاء إجتماعياً خاصة المرأة والأقباط والأطفال وغيرهم على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون). ولكن للأسف فإنّ هذا من نوع الكلام الإنشائي الذي يمكن أن يقوله أيِّ حزب دون أن تستنبط من خلال هذه الكلمات هل هو حزب يميني أم يساري. فمصر التي تعتمد في دخلها القومي على السياحة بصورة رئيسة ستحتاجُ من الجماعة الى رأي قاطع في السياحة (والتسهيلات السياحية!!!)، أو أن تبحث لها عن مصدر دخل آخر تطعم به 84 مليون مصري. كما أنّ المعونة الأمريكية السنوية لمصر (كاش وقمح) تربط القاهرة بقوة الى المواقف الغربية، فلا تجد في مواقف القاهرة إلا صدًى لمواقف الغرب، والإنفكاك من هذه المعونة يحتاجُ الى إيجاد البديل أولاً. بالإضافة الى معاهدة (معسكر داؤود Camp David) للسلام مع إسرائيل التي يلطخ بها الإخوان تاريخ السادات ومبارك وغيرهما، هذه المعاهدة تحتاجُ الى معالجة طالما أنّ الجماعة ترفضها بصورة قاطعة... معالجة تضمن أمن مصر ومن بعده أمن كلّ المنطقة العربية. تجربة الإسلاميين في الحكم في السودان ليست مفرحة، بل كانت خصماً على القيم الإسلامية (خاصةً قيمتي العدل والنزاهة). لهذا فإنّني – كمسلم – أعتقد أنّ على الإخوان المسلمين في مصر أن لا يُدخِلوا الإسلام في تجربة مماثلة لما يحدث في السودان ما لم تكن لديهم المقدرة الكافية على تقديم نموذج مُشرِّف لهذا الدين العظيم. لأنّ نجاحهم في المعارضة ووقوفهم بصلابة ضد النظم المتسلطة لا يعني – بالضرورة – نجاحهم في الحكم. صحيفة التيار