[email protected] مواصلة للرد على ما جاء في مقال أمين حسن عمر بالسوداني في الأيام الماضية نواصل اليوم فحص القضية التي جاء بها عنوان المقال. فأمين ابتداءا لا يرى أن مطالب المعارضة مشروعة وأنها لا تمثل أهم التحديات التي يواجهها البلد. يقول أمين \"فالحديث عن الحريات (واعتبار أن هناك أزمة حريات \"بالسودان\" تعتبر من أهم القضايا ) لا يعدو كونه ورقة للتزايد على مجال الحريات الواسع الذي لا يضيق الا عندما تزاحمه مهددات حقيقية لمصالح الوطن والمواطنين\". ولاثبات قوله يدعونا لمقارنة الحريات التي من بها نظامه علينا مع جيراننا ممن تهتز عروشهم هذه الايام ومن ينتظرون ثورات وهبات شعوبهم. إذن فهذا هو معيار السيد أمين الذي يدعونا لاستخدامه للمطالبة بحرياتنا...ومرة أخرى عندما يلحظ ضعف منطقه يستدرك السيد أمين ويقول \" بأن الحكومة لم تغلق باب الحوار حول المعادلة بين الحرية والأمن\" ويضيف \"بأنه يرجح كفة الحرية \"في غالب الأحوال\" الا عندما يصبح فقدان الأمن مهددا لممارسة الحرية نفسها\". على أننا نسأله عن مهددات الأمن في أمور قد تبدو غير هامة من أول وهلة ولكنها تكشف عن كيف يوفق ويقايض النظام بين الحرية وأمنه أو حتى رؤاه الآيدولوجية ومن مثال ذلك حرص النظام على تأشيرات الخروج مع أن قرارا جمهوريا صدر بألغائها..وقراره بحظر تدخين الشيشة مع سماحه بتداول التبغ...وحرصه على حظر الحفلات حتى ساعات معينة وكأنما يتعامل مع كل الشعب بمنطق القصر...والأمثلة عصية على الحصر.... أن الحديث عن الحريات لا بد أن يكون المدخل الرئيس للحوار مع السلطة وهو مطلب جماهيري وليس مطلبا للمعارضة الحزبية وحدها ..بل ندعي أنه مطلب حتى كثير من الأسلاميين أنفسهم. ليس ذلك فحسب فان مطلب الحريات هو المرتكز الذي يعتمد عليه العقد الإجتماعي بين الحاكم والشعب ...حيث المحك فيه أن الحاكم لا حق له في الحكر على الحريات الا بقبول تام من الشعب نفسه.الآ اذا تفرعن. فالحرية هي الضامن للشعب في اسماع صوته للحاكم. ثم وكأننا نكتشف العجلة!!!! فالسيد أمين يعلم بأن قضية مقايضة الأمن والحرية من القضايا التي حسم أمرها في الدول الملتزمة بالحرية....فان موقف نظام الحكم من الحرية هو أهم المعايير التي تستخدم في تصنيف النظم. فإما نظم حسمت المقايضة تماما لصالح الحرية وقدستها وقيدت المساس بها قيودا دستورية وقانونية متنا سقة تماما مع الدستور تناسقا صارما من جهة وإما - من الجهةالمقابلة - فنظم مثل النظم الديكتاتورية كالانقاذ والتي ليس لها موقف مبدئي يقدس إعلاء قيمة الحرية..وانما موقفها منها موقف متلاعب ميكافيللي يتحدث عنها حديث المقدس بوضعها في الدستور ويناقضها بقوانين وممارسات تسلب الحقوق الدستورية وفي وضح النهار...ويرى حرص الناس عليها تزيدا...كما موقف أمين الحالي بالظبط...فأمين وزبانية نظامه يجلسون الآن في جانب الجلاد وسبحان الله قد نسوا تماما يوم كانوا يجلسون معنا في هذا الجانب من السور حيث تكتوي فيه غالبية الشعب بتقييد الحريات في أزمان ليست بالبعيدة يوم كانوا يتشدقون بشعارات الحرية...هل نحتاج تذكيرهم بشعارات \"جامعة حرة..أو لا جامعة\"؟؟؟. ونحن عندما ندعو لجعل هذه المقايضة منحازة لصالح الحريات مقابل الأمن نعي ذلك جيدا...ولا نقصد أن تترك الأمور في شكل حريات فوضوية...لا لم يقل أحد بذلك ولكننا نعلم أن في القوانين التي كانت سارية بالبلاد قبل انقلابكم المشؤوم ما يكفي لحفظ هذه المقايضة. هل نحتاج الى تذكير امين الى أن كل هذا الإدعاء بالحرص على الأمن، سواء كان أمنا للنظام أم أمن البلاد لم ولن تحرسه الإجراءات المقيدة للحريات لو يفقهون. أن الدولة الأمنية التي يعتبر نظام الأنقاذ أحد تجلياتها في تاريخ السودان الحديث بامتيازللأسف كانت ولا زالت تنظر للأمن كونه أمنا للنظام وليس أمنا المواطن والدولة ومؤسساتها ومجتمعها. ولا نحتاج لكثير جهد لدعم موقفنا هذا. فهذا النظام كانت أولى خطواته ولتأمين نفسه القيام بسلسلة من القيود على الحريات لتأمين أمنه هو ،، منها القيود على حرية التنظيم والتعبير واحتكار مؤسسات إعلام الدولة لفرض وجهة نظره هو..هذا النظام سرق من الناس نقاباتهم واتحاداتهم وحيى منظماتهم الطوعية في أولى أيامه بهدف تأمين النظام..فهل نرجى منه خير؟؟؟اللهم الا بقدر غير يسير من الصفح وحسن النوايا. ولكن الأمن والقوة والقهر كأسلوب لادراة الدولة والسياسة – من المضحك- لم يمكن الحكم من تحقيق الأمن لا لنفسه ولا للدولة. والشواهد المحلية والأقليمية والعالمية أكثر من أن تحصى. أن الحديث عن الحرية والأمن هو قضية مقايضة ليس في ذلك شك...وفي النظم الدستورية والقانونية فان هناك العديد من القضايا الشبيهة فكيف تحسم هذه المقايضات؟؟؟؟ إن نظام الانقاذ كان حاسما في ترجيح خيار الأمن ولا زال...بينما أهمل رأي المكونات المجتمعية الأخرى أهمالا تاما شأنه في ذلك شأن النظم الشمولية . بيد أننا نرى أن حسم المقايضات في الشأن العام والسياسات التشريعية والقانونية الكثيرة والهامة تحسم وفقا لإرادة الناس كلهم وفقا لتشاور شفاف وأمين. والانقاذ نظام آحادي لا يمكن أن يدعي أنه شارك الناس في مثل هذه المشاورات على أي مستوى من المستويات... وكنا قد كررنا الدعوة له لمثل هذا الموقف ونأمل أن تكون في كتابات أمين هذه خطوة في هذا الإتجاه. وفي ذات السياق فمن قائل أن العلاقة بين الحرية والأمن علاقة تكامل وليس هناك من مقايضة..فالحرية تضمن للناس تعبيرا عن آراهم وتضمن لهم من الحقوق في التنظيم والتعبير والكسب الآقتصادي وفقا للترتيبات المؤسسية للمجتمع والدولة بما يغنيهم من تهديد الأمن. ولنا للقضية عودة..باذن الله.