محمد عبد الله برقاوي. [email protected] عالمنا الجليل الراحل البروفيسور عبد الله الطيب..رحمه الله ..سئل في احدى المحاضرات خارج السودان .. لماذا الانجاز السوداني دائما متواضع الصوت في مسامع المدي وباهت الصورة في عيون الافاق .. ايا كان ضربه ادبيا او فنيا أو علميا او حتي سياسيا ..مع انه يكون انجازا متفوقا علي غيره.. ؟؟؟ فرد عالمنا الحكيم قائلا.. لاننا نحن السودانيين نفعل كما البطة..فيما يفعل غيرنا كما تفعل الدجاجة.. فران صمت مطبق في القاعة وكعادته ظل البروفيسور عبدالله يتأمل الحضور ويجول بعينيه الذكيتيين..بينما المسامع تتهيأ لبقية توضيحه..فابتسم وطفق يشرح قائلا ..ان البطة تضع بيضة كبيرة في مكان قصي من حديقة البيت أو زاوية بعيدة منه ..ولكن في صمت شديد لا يكتشف القاطنون بيضها الا بعد مده.. أما الدجاجة فبرغم انها تضع بيضة صغيرة.. لكن تنبيء عنها بضجيج عال .. ولعل الكناية التي أراد الدكتور الوصول اليها في مثله البليغ.. ان اي عمل مهما كان حجمه وقيمته لا يصل الي الامصار البعيدة الا اذا رافقه صوت اعلامي تسمع اصداؤه بعيدا ليخلد في ذاكرة التاريخ.. وحيث اننا جئنا علي ذكر التاريخ فقد حق لنا ان نستدعيه قليلا لاسيما ان كنا نحن من صناعه وان ظل معتما في مساحات عيون الاخرين .. وخافت الصوت في دوائر مسامعهم.. حينما اشتعلت ثورة اكتوبر عام 1964 في شوارع الخرطوم انطلاقا من جامعتها العريقة ووصلت جماهيرها بالألوف لتهتف تحت شرفة القصر الجمهوري فخرج الرئيس الراحل ابراهيم عبود يسأل مساعديه ..أكل هؤلاء القوم ضدنا.؟؟؟. فسكتوا علامة علي الاجابة بنعم !! فقال علي الفور ( اذن فلنذهب نحن ) ونجحت الثورة .. فيما فشلت نتائجها..ولكن ظلت في سجلات المجد عملا سابقا للاخرين سطر لصالح شعبنا.. وفي ابريل 1985 استخف الرئيس الراحل جعفر نميري بصبر وصمت الشعب وقد نسي في سكرة السلطة ..سابقة اكتوبر .التي كانت قريبة من حافة ذاكرته بالطبع.. وذهب يلبي دعوة التوبيخ في واشنطن ..غير عابي بحركة الشارع التي بدأت فعلا .. وحينما كان في طريق العودة بخفي حنين.. وقد سمع باوار الحريق يلتهم اسمال حكمه المتأكل .. حاول سدنته اخراج مظاهرة مضادة لسيل الزحف الذي اغرق المدن .. وصاح صحاف النظام انذاك محمد عثمان ابوساق ..بان الملايين ستخرج لحماية مايو..وستعيد كل فأر الي جحره.. فلبي النداء خمسة الالاف فقط هم زبانية حكم مايومن فلول الامن والمنتفعين المهلوعين من زوال مصالحهم.. فسقط النظام الذي بالكاد كان يتكي علي عصا موسى التي نخرها سوس الوهن ..وكان ابو ساق أول الفارين..وجعفر نميري اخر العائدين ليجد لنفسه موطىء جسد خارج مقابر شرفي بعد ان ضاقت بالذين ماتوا قهرا أو استشهدوا في عهده .وعهد الخلافة الذي يحتضر الآن انتظارا لمصير اسلافه . ومرةاخري يضيف شعبنا سطرا مضيئا ..في كتاب الخلود.. ولكن اعين الاعلام التي لا ترى الا الدجاجة وهى تتقافز أمام عدساتها ولا تسمع الا الضجيج الذي يقترب من طبلة اذنها.. لم تلتفت لبطتنا الكبيرة التي توارت خلف اسوار الزمن وغاب صوتها وصداه في رعود الاحداث القريبة من مايكرفونات المدى.. فكانت ثورة تونس في نظرالاعلام العربي هي الأولي .. واصداء القاهره في مسامعه هي الأكبر.. رغم احترامنا واعزازنا لشعبي البلدين الشقيقين ومؤازرتنا الصادقة لهما في ثورتهما نحو العزة والكرامة.. .وللأسف حتي بعض كتابنا الذين سحرتهم الوان الفيلم المصري ..غابت عن ذاكرتهم ملامح افلامنا الثورية الخالدة ربما لان احداها كانت بالأبيض والأسود..والأخري الوانها قد امتزحت بحكم السرقة الآدبية للثورات نصا وثمثيلا مع الفلم المتواصل الان .. الذى ينتظر المخرج العظيم ذلك الشعب السانحة ليستعيده من دور العرض ويفحم من تشدق بانه المنتج الوحيد له .. وسنغمسه من جديد في الوان الدموع والدم ونعيد انتاجه فاقعا جليا هذه المره بالصورة التي لن تخطئها عين الفضاء اينما كانت ..ولن يمر صوتنا الا داويا في مسامع الدنيا ..وتملآء بيضة بطتنا القادمة بطون الجائعين الي تثبيت الحقائق.. رغم علو صوت الذين كانوا يسوقون ليبضة الدجاجة الصغيرة. ايا كان حجم الانجاز او قيمته ..زمانا ومكانا... والله المستعان..وهو من وراء القصد..