محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] ثلاثون عاما قضاها الرئيس حسني مبارك في الحكم..وحينما انتفض الشعب وثار بعد صبر علي الغبن والظلم والفساد واحتكار السلطة في محيط التزاوج بين الثروة والحكم..صار استجداء الرئيس الذي فقد فرصة توريث ابنه الحكم ليعيد الملكية لمصر ولكن في قالب جمهوري ..هو ان يتركه الشعب فقط لبضعة شهور اخري يلقي فيها النظرة الاخيرة ويتلمس كرسيه الأسير والوثير .. ومقابل ذلك تقدم بتنازلات كبيرة ..وكل يوم ترتخي قبضته عن مساند الكرسي وتتساقط من جرابه المخروم المزيد من مواعين سلطته وأدوات حزبه..فيما بدأ اعلامه الرسمي يشيح بوجهه عنه رويدا رويا و يتحول الي وصف شباب ميدان التحرير بالثوار بعد ان نعتهم بأسوا الصفات في بداية حركتهم .. وباتت الصحف حتي المقربة منها للنظام تتودد اليهم باصدار الملاحق التي تمجد حقهم وتؤكد علي شرعية مطالبهم.. هو حكم الزمن ..لان ايامه دول.. ففي الوقت الذي يضعف فيه من كان قويا بسلطانه وامنه وثروته والمنافقين من كوادر حزبه الذين صوروا له انهم الأغلبية التي ستسحق الأقلية ان هي تملمت تحت احذيته .. بينما يقف جيشه في موقف لا يحسد عليه بين مسئولياته تجاه رجل يمثل بالنسبة له رمزا من رموز البطولة من حيث التاريخ العسكري والانتماء للمؤسسة القوية ..وبين شعب هو نابع من صميمه ( أي الجيش ) وهو يري ان موازين الأمور قد تحولت لصالح الضعيف الذي اصبح هو الحاكم القوي الذي يرد علي كل تنازلات الفرعون بصوت واحد ينطلق من ميدان التحرير مدويا بكلمة ( ارحل ..ارحل ارحل )..فما أعجب المعادلة التي أحتار فيها كل الحلفاء الذين استقوى بهم الحاكم ونظامه .. وانبري عتاة وفقهاء الدستور يبحثون حلا لعقدتها..والعالم كله يعقد حاجبيه تعجبا واعجابا لمسلسل طويل من الأصرار علي الاعتكاف من شباب ..زهدوا في كل مباهج الدنيا مقابل تحقيق الحرية والكرامة .. لم يثنهم الموت ولا الضرب الذي اسال الدماء وحطم العظام..ولا اغارة من استأجرهم تجار الحزب الذين اندحروا خاسئين..وظل ابطال التحرير في مكانهم ليحيلوا الميدان الي سوق عكاظ للشعر ومسرحا للفن ومعرضا للرسم ..ومسجدا للصلاة و كنيسة للقداس .. بل احالوه الي وطن بكامله ..فلله درك يا شباب ..صمت دهرا ولم ينطق الا بيانا وسحرا شد اليه انظار العالم.. وبالمقابل نجد رئيسنا الذي حكم هو ومجموعته المتغطرسة احدى وعشرين سنة .يتوعد بانه سيكمل بقية مدته في الحكم ووفق مزاجه وشريعته هو.. استناد الي انتخابات هو يعلم كيف جاءت ..في غياب تسعين بالمائة من الفعاليات السياسية التي انسحبت في لفة السباق الأخيرة .و.يتأبي علي نداءات العقل بصياغة دستور وطني .بدلا عن دستوره المفصل علي جسد النظام . والذي.هو ليس أغلي عن الوطن الذي تمزق... تقوم بموجبه انتخابات نزيهة ربما تجنبه كثيرا من التنازلات والانبطاحات أمام سيل صحيح هو ساكن خلف سدود الضعف جراء الانهماك في تفاصيل الحياة اليومية التي جعل منها حكم الرئيس وطغمته هما يهد الحيل منذ فجر اليوم وحتي مغيب شمسه.. وهو الذي يمثل حقيقة نسبة التسعين بالمائة التي نسبها الرئيس الي حزبه الذي تقومه اموال الدولة وتسنده اجهزة امنها ويحاول الالتفاف علي قواتها المسلحة ويغزى شرايينه من ساقية حجا المتمثله في أموال كوادره من التجار والأرزقية وشذاذ الافاق التي تخرج من الدولة ..ويعود فائض فائضها من جيوبهم لتمويل الحزب..وهي ذات المنظومة التي اعتمد عليها الرئيس........ ( الناوي الرحيل في مصر )...... و من قبله لم تسند ذلك الراحل سلفا من تونس..اذ بانت حقيقة القسمة في موازين الشارع .. فاصبح جيش المغلوبين هم التسعون بالمائة ..فيما اختبأ العشرة بالمائة الذين كانوا يكبرون كومهم صعودا علي منابر ..مالبثت ان تهاوت بهم في ساحات العدالة لانها في الاساس كانت تحصي السوس في عداد غلبتها المتومهة...وهنا يصدق الميزان .. ليحكم من هم التسعون ومن هم العشرة بالمائة فالأجابة تأتيكم مع رياح الشمال سادتي .. حكامنا .. فلا تركبوا طرور الغرور الذي قد يحملكم بعيدا مع أمواج التاريخ كغثاء السيل ..فقبلكم من قال انا ربكم الأعلي ..وكان له رب العالمين بالمرصاد فاغرقه في الدنيا قبل ان ينال عذاب الاخرة..فالخطأ في جدول الضرب ..قد يفاجئكم كثيرا اذا ما الهاكم عنه التفكير في ضرب الشارع الذي سيقلب موازين القسمة .. فانظروا حتي المرة العاشرة شمالا.. والله المستعان وهو من وراء القصد..