حديث المدينة العاقبة عندكم في (المسيرات)..!! عثمان ميرغني تبادل السودانيون التهاني أمس.. كما لو كانت ثورة مصر من صنع أيديهم.. أو كما لو أنهم هم من كانوا في ميدان التحرير.. وتلقيت –أنا شخصياً رغم أنني لا أمثل مصر– عشرات الاتصالات والرسائل الهاتفية والبريد الالكتروني تهنئ بالثورة المصرية.. فماذا يعني ذلك؟ يعني أن شعب السودان (شعب سوابق) فعل ما فعله المصريون مرتان.. الأولى في أكتوبر 1964.. والثانية في أبريل 1985.. فصار في نفس كل سوداني مشروع ثورة.. رغم أن السودانيين محبطون حتى النخاع من الذي أنجبته الثورتان.. بعبارة أخرى السودانيون أصحاب سوابق يتوقون لإعادة التاريخ. ويعني.. أن مصر حينما تصبح واحة للديمقراطية والحرية فإن ظلها يمتد إلى كل بلد عربي.. خاصة الأقربين.. ومصر عندما تضئ نورها يشرق في كل الوطن العربي.. ونحن في السودان الأقرب لبؤرة الضياء.. ولو كان السودانيون يسافرون إلى مصر من أجل السياحة أو العلاج.. فإنهم سيضيفون لها (التبرك بزيارة ميدان التحرير). ومع ذلك.. في تقديري أن الحكومة السودانية في إمكانها أن تستثمر المد الثوري المصري.. صياغة شكل جديد للدولة السودانية تستلهم كل أخطاء الدولة المصرية التي أدت بالشعب للذهاب إلى ميدان التحرير.. وأول هذه الأخطاء هو افتراض أن الشعب (ممتلكات) الدولة.. وليس (مالك) الدولة.. هناك شعور موغل في عمق كل سوداني أنه مواطن مملوك للدولة السودانية.. ويغذي هذا الشعور الخطاب السياسي الاستعلائي الذي ينضح من التصريحات الرسمية والسياسية.. فعندما يخطب مسوؤل سياسي ويقول للشعب (نحنا جينا عشان ننقذ الشعب).. أول ما يخامر الشعب أن يسأل بكل عفوية.. من أنتم؟؟ ومن نحن؟؟ عندما يرسم (المنقذ) هالة حول نفسه ويقول للشعب (أنا!!) من فعلت لك كذا.. وأنا لولا أنا.. لكنت أنت في (60) .. يقفز في وجدان كل سوداني احساس غريب محير.. من أنت (أيها المنقذ)؟؟ ومن أنا (المنقوذ نقذاً) ؟؟ (وأرجو من مصحح اللغة في التيّار أن لا يصححها فهي كلمات مستحدثة من عندي ليست في القاموس).. في تقديري.. حتى لا يحتاج الشعب السوداني للذهاب إلى (ميدان التحرير) الأجدر أن تمارس الحكومة قبلهم سياسة (تحرير الميدان).. تحرر مسلكها من الاستعلاء الفكري والسلطوي.. و تحرر الفكر القيادي من النبرات الاستفزازية.. التي تمنح الإحساس بأن الحزب الحاكم.. حاكم بأمر الله.. تحرر الخدمة المدنية من نمطها الاستعبادي.. استعباد الشعب لصالح الموظف العام.. واستعباد الفساد لذمم الموظف العام.. وقبل أن يخرج الشعب في مسيرات الغضب. الأجدر أن تعلم الحكومة شعبها أن يغضب ضد (قضية) لا ضد نظام.. تعلمه أن يخرج للشارع ليطالب باستقالة وزير.. أو إلغاء قرار.. أو إنفاذ مطلب.. تماماً كما تفعل الشعوب المتحضرة.. هذا .. أو (ميدان التحرير).. والعاقبة عندكم في (المسيرات) .. على قول أحد القراء الكرام. التيار