زمان مثل هذا ميادين سياسية أخرى الصادق الشريف من الروايات غير القاطعة، وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بالسم، ومن الروايات المؤكدة مقتل السادات في (حادث المنصّة)... وطرائف الشعب المصري التي لا يتخلى عنها في أصعب وأحلك الأوقات، تسرد قصة الرئيس المصري السابق مبارك الذي ذهب إلى القبر والتقى بناصر والسادات، فسأله ناصر (أيه يا حُسني؟ جيت بالمنصة ولا بالسم؟؟؟) فأجابهم مبارك (لا والله... جيت بالفيس بوك). هذه النكتة السوداء تحمل في طيّاتها ميادين جديدة للمعارك بين الحكومات ومعارضاتها، بل وأيضاً أدوات جديةه، لم يسمع بها الآباء المؤسسون. ومن أراد أن يعارك في هذه الميادين فعليه أن يتقن فنون اللعب، وأن يحسن استخدام هذه الأدوات الجديدة... والمتجددة. وأغلب الظنّ أنّ قادة الأحزاب السودانية السبعينيين (قد) يصعب عليهم اللعب في ميادين الفيس بوك والتويتر، ويفضلون بدلاً عن ذلك التعامل المباشر مع الميدان الشرقي لجامعة الخرطوم. وقد ثبت (بياناً بالعمل) أنّ أصغر خفير في جامعة الخرطوم يمكن أن يفتح صنبور الماء في الميدان الشرقي (بإيعاز وتحريض) فيتم إلغاء الندوة أو المخاطبة الجماهيرية... لكن المواقع الإسفيرية لا صنبور ماءٍ لها، وحتى إغلاق المواقع عبر الهيئة القومية للإتصالات لن يحد من خطورة تلك المواقع في توصيل الرسائل السياسية. وعلى ذمة موقع عرب تايمز فإنّ هناك إقبالاً كبيراً من قادة وأمراء دول الخليج والمغرب العربي لدراسة الإنترنت... لاسيّما مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ما حدث في تونس ومصر. هذه تقنية تفرض نفسها على القادة، لارتباطها بالسياسة، ولا أشك مطلقاً في أنّ الإمام الصادق المهدي وبطريقته المرنة في التعامل مع المستجدات، قد أنشأ (أو في طريقه لإنشاء) صفحة له على الفيس بوك، وأنّ مولانا الميرغني (سوف) يجري المزيد من المشاورات قبل إنشاء صفحته الخاصة... أمّا على الصعيد الحكومي فقد ظهر هذا التطور سريعاً في الخطابات الرسمية، فقبل أيامٍ قال الفريق قوش مستشار الرئيس (إنّ علينا التحاور مع دعاة ثورة الفيس بوك لتغيير سلوكهم لمساندة مشروع الإنقاذ). قالها قوش الذي يمثل أمانة العاملين بالمؤتمر الوطني وهو يخاطب القطاع الصحي بذات الحزب، ورغم الانتقادات التي تمّ توجيهها للرجل على هذا الكلام باعتبار أنّ التحاور يجب أن يؤدي الى أجندة وطنية وليس الى (مساندة مشروع الإنقاذ)، إلا أنّ ورود مفردات مثل (الفيس بوك – الحوار) في خضم مخاطبة سياسية للرجل، هي تطورات تلفت النظر من رجل ذي طبيعة أمنية، ويميل لحل المشكلات بلا حوار وبعيداً عن الضوء. وبذات القدر تناول الرئيس البشير حديثاً عن الإنترنت في إطار إفتتاح الكهرباء بعدد من القرى، ودلقه في مجرى سياسي ل ( لكي يرد أهل القرى على معارضي الإنترنت). هذه الشواهد كلها تشير الى أنّ ثمة تغييراً كبيراً في الوسائل والأدوات السياسية، فبدلاً عن قنابل الملتوف قد تستخدم المعارضة الفيروسات أو الهكر. وبدلاً عن الاحتشاد في ساحة الشهداء سيلتقى الناس على صفحات الفيس بوك. وكبديل للتلفونات التي يمكن مراقبتها سيستخدم الساسة برامج اسكايب وأوفو. و ما يحدث الآن هو خير دليل على مرونة التعامل مع الأدوات الجديدة... فحين يتمّ منع نشر أي مقال على صفحات الصحف، تجده في ذات اليوم منشوراً على كل المواقع الإسفيرية... مِمّا يعني أنّ منع النشر الورقي أصبح بلا جدوى، ولا يحقق كتمان المعلومة الذي تنشده الجهات الأمنية. لكن هل تكفي الساحات الإسفيرية لتغيير نظام سياسي؟؟؟ التيار