زمان مثل هذا الطيب صالح.. وشغل الناس (2) الصادق الشريف تناولنا بالحديث أمس أحتفاء شركة زين بالطيب صالح من خلال إطلاق جائزة باسمه، وعرجنا بسرعة الى (نظرية التحليل الفاعلي) التي وضعها الدكتور الشيخ محمّد الشيخ، كنظرية علمية، وأوجد لها تطبيقات في المجال الأدبي، بإعتبار أنّ الأدب هو (مراقبة وتدوين تفاصيل وغرائبيات الحياة وفق اسلوب مختلف). قلنا أنّ بنية الوعي التناسلي ينشأ الفرد فيها على أنّه كائن مهمته التناسل، كهدف نهائي من الحياة، وفي رواية عرس الزين، كان الزين يمثل (ألطف) حلقات الوصل التناسلي بين أهل القرية. يقول الراوي: (ولما انتصف النهار كان الخبر على فم كل أحد. وكان الزين على البئر في وسط البلد يملأ أوعية النساء بالماء ويُضاحكهنَّ كعادته فتجمهر حولهُ الأطفالُ. وأخذوا ينشدون: الزين عرَّس .. الزين عرَّس، فكان يرميهم بالحجارة ، ويجرُّ ثوب فتاةٍ مرةً، ومرةً يهمِزُ امرأةً في وسطها، ومرةً يقرص أخرى في فخذها والأطفال يضحكون ، والنساء يتصارخنَّ ويضحكنَّ وتعلو فوق ضحكهم جميعا الضحكة التي أصبحت جزءا من البلد منذ أن ولد الزين). فرحة النساء بالزين نبعت من أنّه يساعدهنّ في الإنسجام مع بنية وعيهنّ، فلا يهمز إمراة ليشبع شهوته، رغم أنّ في ذلك إستجابة طبيعية لذكورتهِ وبنيةِ وعيهِ... لكن الراوي صنع شخصية الزين على أنّها (شخصية منتجة للخير)، ولا يوجد خير أعظم من الترويج لفتاة حتى تتزوج في مجتمعٍ القرية المحافظ الذي لا يمنح الفتاة سانحة التبرج. وما أن يُعجب الزين بفتاة حتى يصيح منادياً باسمها، فينتبه لها الشباب وكبار الاثرياء ويخطبونها، وهكذا كان الزين رسولاً للحب، يُعجب بالفتيات الجميلات، ويتيَّم بهنَّ دون أن يحزنهُ زواجهنّ من غيره، واعتاد المجتمع على صيحات الزين (أنا مكتول في حوش محجوب - أنّا مكتول في فريق القوز). وبذلك كان الزين يستجيب لطبيعته الخلاقة التي (تنتج الخير وتوزعه على الآخرين)... رغم إنتمائه لمجتمع بنية الوعي التناسلي، ورغم إفتراض وجود مشاعر (الأنانية) وحُب التملك في من يحب فتاة، ويريدها لنفسه. وبذلك كانت فاعلية الزين أعلى من فاعلية أفراد مجتمعه، لهذا كان محبوباً بينهم وحصل على مكانة لم يحصل عليها غيرهُ من شباب القرية (أصبحت أمهاتُ البناتِ يخطبنَّ وُدَّهُ ويستدرجنَّهُ إلى البيوت فيُقدِّمنَّ له الطعام، ويسقينّهُ الشاي والقهوة. يدخل الزين الدار من تلك الدُور، فيُفرش له السرير، ويُقدم له الفطور أوالغداء في صينيةٍ وأوانٍ ، ويُؤتى بعد ذلك بالشاي السادة بالنعناع إذا كان الوقت ضحى، والشاي باللبن إذا كان الوقت عصراً. وبعد الشاي يُؤتى بالقهوة بالقرفة والحبهان والجنزبيل، سواء كان الوقت ضحًى أو عصراً وما يسمعُ النساءُ أنَّ الزين في دارٍ قريبةٍ حتى يتقاطرنَّ عليه، والسعيدة منهنَّ من تقع في قلبه موقعاً، والتي يخرجُ واسمُها على فمه، تلك الفتاة تضمن زوجاً في خلال شهر أو شهرين). أمّا قصة مصطفي سعيد بطل رواية (موسم الهجرة الى الشمال)، فقد كان ينتمي لمجتمع ذو بنية وعي تناسلي ويستخدم أدواتها، ولكنّه عاش في مجتمع ذو بنية وعي برجوازي... بيد أنّها قصةٌ أخرى... سنعرضُ لها - بإذن الله - غداً. التيار