[email protected] دعوة الدولة الى أنشاء مفوضية للفساد مقصود بها أن يبين النظام للناس أنه، وأخيرا، اقتنع بأن هناك فسادا وأن هذا الفساد اصبح بحجم لا يمكن السكوت عنه وأن هذه المفوضية، وربما غيرها من الإجراءات مما هو آت (من مثل الخطوات التي قيل أنها اتخذت بحق المؤسسات الحكومية العصية على المراجعة) ستعيد الأمر الى نصابه، نوعا ما..فنحن إذا مطلوب منا أن نضع هذه الخطوة في خانة النوايا الإيجابية للنظام في العودة الى دولة العدل والحكم الراشد. ولكننا في هذا المقال نود أن نلفت النظر الى أن محاربة الفساد وخفضه ولا نقول استئصاله أمر غير قابل للتحقق في ظل هذا النظام مهما حاولوا أن يسوقوا لنا من الكلام الجميل..لأن الفساد أمر ملازم ومتأصل في بنية النظام. ماذا نعني بذلك؟؟ إن بنية الدولة التي لم تعتمد أصلا على مفهوم أن إدارة الشؤون والحقوق العامة فيها تصبح بيد البشر الخطاءون بطبعهم...والذين إذا أعطوا سلطات غير مقيدة بقوانين يقبع تحت سقفها الصغير والكبير فعلا وممارسة وليس نصوصا في الغازيتة..فان المحصلة ستكون لا محالة فسادا ..وفسادا كبيرا.. ولذلك فإنك إن أردت خلو ممارسات الدولة وسلوكها من الفساد إذا فلا تحتاج الى اكتشاف العجلة...وإنما الى النظر في بنية الدولة..هياكلها السياسية والقانونية والادارية...وخلق منظومة صحيحة متكاملة معافاة بها من الضوابط ولكوابح ما هو متجذر في البنية. إن الدولة السودانية ومنذ إنشائها إعتمدت على فكرة حماية الحقوق العامة والخاصة بالقانون والدستور...ولذلك فإن الرادع الحقيقي لكل مفسد للمال العام ولكل مستفل للسلطات ومهدر لحقوق وحريات الآخرين...أفرادا وجماعات.. هو علمه بأن هناك قوة أعلى وأكبر من أي فرد وإن كان راس الدولة أو أي جماعة متنفذة ..ولذا فأن اللجوء لهذه القوة..قوة القانون متاحة للجميع وأن الدولة تجعل غاية همها هي حماية هذا الحق..وتجعله حقا مقدسا..وتردع كل مفسد..على قول رسولنا الكريم \" ,ايم الله لو أن فاطمة بني محمد سرقت لقطعت يدها\" في ظل هذا التركيب البنيوي السليم للدولة لا تحتاج الدولة لمفوضية فساد...وفي المقابل وفي تأصل هذا الخلل البنيوي فإن المفوضية وغيرها من الترتيبات لنن تجدي فتيلا. وحدها العودة لدولة القانون هي الكفيلة بكبح الفساد. وعندما نتحدث عن القانون هنا فاننا نعني منظومة القوانين برمتها...ونعني كذلك بالعودة لدولة القانون الممارسة الفعلية وليس وجود القوانين دون التزام بها...وبنية الدولة التي بيدنا تعاني من غياب بعض القوانين ومن اغفال تنفيذ ما هو قائم منها. ولكي لا يكون الحديث إدعاءا. دعنا نسوق المعوقات التالية التي تجعل محاربة الفساد مستحيلة ما دامت بنية دولة الانقاذ باقية كما نعرفها. بعد أن تنشأ هذه المفوضية...وفي ظل إرتباط الدولة والحزب ونهب الحزب لموارد الدولة الذي يعرفه العامة والخاصة فكيف يمكن أخذ الحزب لمثل هذه المفوضية بجريرة سرقة موارد المواطن؟؟. إنه أمر مستحيل...فبرغم إدعاء الحزب نفسه بوجود حبل سري بين الدولة والحزب.. وأنه بسبب وجود هذا الحبل السري فقد استغلت موارد كان حري بها أن تعود لصالح فقراء الشعب فإن المحاولة ...مجرد المحاولة برفع إدعاء لرد الحقوق لأهلها كفيل بزج من يطالبون باقامة الحق في ظلمات سجون ومعتقلات أمن النظام. وحتى إذا قبل الإدعاء...فإن الأدلة على ما جاء بالإعتراف...(أنظر تصريح أحد مسئولي المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم الذي كتبنا عنه في الصحيفة الالكترونية الراكوبة تحت عنوان \" أخيرا يعترفون\" )هي كلها بيد المتهم...وما أدراك ما المتهم ...فالمتهم هو الخصم والحكم....فماذا ستفعل المفوضية... إن المحك الرئيسي لجدية الحكومة والنظام عبر مفوضيتهما المستحدثة تتمثل في اتخاذها ممن الخطوات في متابعة التصريح المشار اليه من مسؤول المؤتمر الوطني كاول أعمالها .. ورد الحقوق الى أهلها ونشر الأمر للناس..فهل يراهن أحد على أنها ستفعل؟؟؟ ما من شك في أنها لن تفعل والأيام بيننا. وحتى وإن فعلت فكيف ومن أين يمكن أن نشتري لها المصداقية...اللهم الآ إذا جئنا لها بجهاز قضائي من خارج النظام الحالي ... وهو الذي يمسك بالجهاز القضائي من أعلاه إلى أدناه. وعودة الى خلل البنية...فأن من الجدية في امر تعقب الفساد أن تقوم الدولة ونائبها العام بمثل مانراه يحدث في مصر بابتدار فتح ملفات الفساد...وهي لن تفعل...وان كانت ستفعل فماذا يا ترى كان مانعها...هل هو غياب القانون الذي يعاقب الفساد في القوانين العامة أم ماذا...أهو عدم الرغبة؟؟؟. بالطبع هو غياب الأرادة والرغبة في تعقب الفساد وهو نتاج لخلل بنيوي صار فيه الفصل بين السلطات في الدولة سرابا وجعل ومراقبتها لبعضها بعضا حديثا وكلاما ساكتا..فهي دولة أشبه ما تكون بدول العصر الآسلامي في احلك ايامه انحطاطا.. .يكفي أنك أصبحت تقرأ كل يوم تصريحات الصحف حول \"مطالبة\" البرلمان\" من الحكومة بفعل كذا وكذا...بالله عليك أي خلل أكبر من أن يطالب البرلمان...أي برلمان هذا الذي من المفترض فيه أن يتحدث باسم الشعب \"يطالب\".... إن البرلمانات الحقيقية لا \"تطالب\" ولكنها تأمر وتشرع فتطاع..لأنها تتحدث باسم الشعب...ولكنها برلمانات مزيفة تعرف أنها جيء بها ولم تأت لموقعها بتفويض لتمثيل الشعب حقيقة ولذلك فإنك تجد خطابها الضعيف المتخاذل المتهالك هذا؟؟؟ وأي خلل في البنية في الدولة أكبر من مثل سلوك البرلمانات التي تطالب وتوصي ويجد بعض التنفيذيون الجرأة في رفض الوقوف تحت قبابها للمساءلة...وكأن أعضاءها لم يسمعوا برد الأمانات الى أهلها والحكم بين الناس بالعدل. تساؤل مشروع نطرحه لمدعي محاربة الفساد وهو لماذا لا نسمع عن مفوضيات لمحاربة الفساد في بلاد الغرب الكافرة علما بأنها في ميزان اقامة العدل بين مواطنيها تفوقنا بمئات الآلوف من السنين الضوئية زمنا؟؟؟ الإجابة واضحة وهي أن هذه الدول أقامت بنية لدولها إفترضت ( افتراضا صحيحا بالطبع) أن القوامة على أمر الناس والحماية من مخاطرحكر السلطة والثروة لأهل الحكم مدعاة للفساد فبنت في منظومة الدولة والحكم من القوانين والممارسات ما يحمي صغير الناس من كبيرهم، ومفسدهم من عامة الشعب وصاحب السلطة من المحكوم. فهي إذن قد بنت أنظمة الحماية ومقاومة الفساد في بنياتها ابتداءا وفي قوانينها ودساتيرها وحرصت على أن تسير هذه الأنظمة بالشفافية الكافية وحماية حريات الناس في مقاومة الفساد...ولم تكتشف بعد بضع وعشرين عاما من الفساد حاجتها لما هو معلوم بالبداهة..في ممارسات الحكم الرشيد التي لاتحتاج الى كثير إجتهاد لتبينها في كتب التاريخ غربيه وشرقيه. أن أول أنهيار يحدث لبنية الدول فيجعلها دولة فساد يتم يحدث عندما تفقد الدول هذه الخصيصة...خصيصة حماية الحريات ...فالكبت وقهر الناس هو المقدمة الأولى لأقامة دولة الفساد. ولذلك وانطلاقا من كل ما جاء بعاليه فإن قضية محاربة الفساد في دولة اختلت بنيتها ضرب من تزييف الأمور في وقت لم يعد الأمر فيه ينطلي على أحد. ولا يمكن تسميته الآ ضرب من ضروب العلاقات العامة مفهمو لنا مسبباتها في وقت تتهاوى فيه دول الفساد حولنا... أما إذا حرصت الدولة على إقامة دولة العدل فعلا وممارسة...وذلك أمر لا نرى من الشواهد ما يؤكد لنا الجدية فيه...فالطريق اليه يبدأ باطلاق حريات الناس وإعادة النظر في بنية الدولة من أساسها. والرجوع الى الحق فضيلة. ألا قد بلغت اللهم فأشهد.