هناك فرق. متلازمة العوز المهني..! منى أبو زيد السيد وزير العدل رفض ولاية شاندي، الخبير المستقل الذي ينظر في حال حقوق الإنسان بالسودان– رفضها- بدعوى أن بلادنا لا يحتاج إلى رقابة خاصة أو خبير مستقل، هو موقف سلطة تنفيذية من صفة اعتبارية ما.. الصفة هنا مستهدفة بشدة ومقدمة على الموصوف.. وهو– كما ترى- مسلك وزاري مفهوم، إلى حد ما، بصرف النظر عن الاتفاق حوله، أو الاختلاف عليه، أليس كذلك..؟! أما المكتب التنفيذي لإتحاد أصحاب العمل السوداني، والذي صاغ– يوم أمس- بياناً موجهاً إلى رئاسة الجمهورية، لإعلان رفضه التام لتقلد الدكتور محمد عثمان إبراهيم منصب مدير الضرائب (بسبب عداوة موروثة عن أيام إدارته للمواصفات!) فمسلكه– يا للدهشة!– قد يكون مقبولاً، إلى حد ما، بصرف النظر عن الاتفاق حول شرعيته أو الاختلاف على منطقيته..! الفرق إذن بين عدم قبول المهنة، وعدم قبول المهني، هو ذات الفرق بين وقفة وزارة العدل، وغضبة اتحاد أصحاب العمل، فالأول (موقف) مبدئي من تمثيل اعتباري، بينما الثاني (وقفة) خاصة في وجه حضور شخصي..! قد يقول قائل إن التمثيل المهني بيِّن، وإن التمثيل الشخصي بيِّن، ولكن، عندنا في السودان، بينهما أمور مشتبهات، نعلمها جميعاً.. تلك المشتبهات هي أم داء السلطة التنفيذية، وأس بلاء الخدمة المدنية في بلادنا.. هي مرض مستوطن، متعدد الأعراض (نقص المناعة المهنية المكتسب)..! فالوزير- الذي اشتق اسمه من الإزر، أي الظهر– رجل الدولة الذي يختاره رئيس الحكومة للمشاركة في إدارة شؤون الدولة، مختصاً بجانب منها، مستمداً صلاحياته من أحكام الدستور التي تخول له المشاركة في رسم وتنفيذ السياسات العامة.. الوزير الذي يحدد الإجراءات اللازمة ل (تيسير) و(تسيير) العمل، والذي يصدر اللوائح والقرارات اللازمة.. والذي.. والذي.. قد يقف– عندنا- ببساطة موقف المشكوك في حياده المهني، والتزامه الصارم بالتفريق بين ما هو شخصي وما هو موضوعي في إدارة شؤون البلاد والعباد.. والسبب سلوك بعض السادة الوزراء أنفسهم، وتغليب بعضهم لدعاوى النفس الأمارة بالسوء بشخصنة المواقف والصراعات، على حساب مقدسات التمثيل الاعتباري النبيل..! (بعيداً عن حكاية الاتحاد والوزير التي لا نملك موقفاً أكيداً من حقيقتها)، وباعتبارها مثالاً، ما الذي يحمل مواطناً على رفض مسؤول بعينه؟.. بينما القانون والنظام هو الذي يصنع أبجديات العلاقة بين الوزير والمستوزر لأجلهم، وهو الذي يحكم طبيعة المعاملة بين الفاعل والمفعول لأجله..؟ إنها أعراض داء الكراسي (متلازمة العوز المناعي المهني المكتسب) من جهة.. وغياب مبدأ المحاسبة في حال إخفاق أو تجاوز المسؤول من جهة أخرى..! ماذا تفعل إذا كنت وزيراً أو وكيلاً لوزارة، وكنت تعلم– علم اليقين- أن أسوأ نهاية لسيناريو تكليفك بأعباء بالمنصب، هي تشريفك بالرحيل حراً، طليقاً، خالياً من ذنوبك الوزارية، كما ولدتك أمك؟!.. مؤكد أنك ح تسوق فيها، آمناً مطمئناً، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ..! التيار