[email protected] سوء الخدمات الطبيه في السودان اصبح من العلامات البارزه للدوله في العقود الثلاثه الماضيه , ولا يخلو مجلس من قصص الأخطاء الطبيه والإهمال والمعاناه والعنت التي يجدها مقدم الخدمه الطبيه ومتلقيها في المستشفيات – خاصه كانت او عامه . ومشكله الخدمات الطبيه في السودان متأصله وضاربه في القدم و أصبحت من التعقيد بمكان صار الحل فيها ضرب من ضروب المستحيل . وهي في الأصل مشكله سياسات – فالدوله غير مهتمه بالتعليم ولا بالصحه وهما مجالان لا ينفصلان عن بعضهما البعض . فهي لا تصرف عليهما ولا تعطيهما الاولويه في التنميه والتوظيف والتدريب . وتأتي مشاكل السودان الأخرى كعوامل ثانويه مؤثره في تضخم مشكله الصحه في السودان فمشاكل مثل الجهل , الفقر , الطبيعه الجغرافيه والمناخيه للسودان , الحروب , التنوع الثقافي العرقي والفساد - تعمل كعوامل محفزه لتدني مستوى الخدمات الطبيه . وفي العقدين الاخيرين توجهت الدوله الى التسلح وتحولت ميزانيه الدوله الى ميزانيه حرب – وأصبحت الدوله لا تنفق على الصحه سوى 2% من الموازنه العامه , وفي نفس الوقت تصرف ما يقارب ال 75% على الأمن والدفاع. ومن الجزء الزهيد الذي يصرف في الصحه يقتطع الفساد نصيبه وتأخذ السياسات الخاطئه نصيبها ويتبقى للصحه الجزء اليسير . التامين الصحي : تماما كما حدث في الدول المتقدمه توجهت الدوله الى العمل بالتأمين الصحي كجزء أصيل من النظام الصحي – ولكن سيطره الشركات الحكوميه على هذا المجال أفرغ الفكره من محتواها وأصبح جزء من النظام الصحي المتهالك أصلا – وأصبح التأمين مكملا لصوره الخدمه الصحيه السيئه – فالمستشفيات في حاله سيئه وليس لديها خدمه جيده لتقدمها للمريض وشركات التأمين تتبع لنفس الجهه التي تملك المستشفيات السيئه ومتلقي الخدمه في الغالب يعمل لدى مخدم يمتلك المستشفيات السيئه الخدمه وشركات التأمين . وعليه أصبح مقدم الخدمه ( المستشفى ) – الكفيل أو الوسيط ( شركه التأمين ) – متلقي الخدمه ( المريض) كلهم يتبعون لشخص واحد الا وهو (الحكومه) , و(الحكومه) ان شائت دفعت للمستشفيات مستحقاتها التي تمكنها من تقديم الخدمه و التطوير ودفع مستحقات منسوبيها , وإن شائت أيضا لم تدفع . ( فالجيب واحد ) – و (الحكومه) ان دفعت للتأمين الصحي مستحقاته أو لم تدفع فلن تجد أحد يهتم بذلك ( فالجيب واحد أيضا ) و (الشغله مدردقه ) . وهاهي الدوله تدعي أنها غطت معظم مواطنيها تحت مظله التامين الصحي – وتتمنن عليهم بذلك, مع ان الخدمه التأمينيه المقدمه لهم في أدنى المستويات – وان شركات التامين تخصم مستحقاتها من مرتبات وإشتراكات العاملين ( على داير المليم ). مجانيه العلاج : مجانيه العلاج المعلنه والتي يتمنن بها الحكوميين على المواطنين في خطاباتهم ما هي الا خديعه كبيره – فالمجانيه ليست مجانيه مطلقه بل هي مجانيه (ماهو متوفر) – وهو في الغالب ( صفر ) – وهي مجانيه مطبقه في ولايات دون الاخرى , وهي مجانيه في حالات دون الأخرى مثلا : مجانيه الحلات الطارئه دون الحلات الغير طارئه – مجانيه علاج الأطفال أقل من الخمسه سنين دون الأطفال أكبر من الخمس سنين . وللربط بين التأمين الصحي ومجانيه العلاج: ان من مصلحه شركات التأمين والذي تدعي الحكومه انه يغطي كل أفراد المجتمع أن يكون العلاج مجاني – أو مدعوم – فهي بذلك لن تضطر الى دفع ( قرش) واحد للمستشفيات مقابل الخدمات للمرضى (الواقعين تحت تغطيتها ) . ومن مصلحه الحكومه أن لا تدفع شركات التأمين للمستشفيات مستحقاتها – وبالتالي فشركات التأمين تستولي على إشتراكات المواطنيين من دون مقابل – وهنا نذكر ان شركه التأمين والحكومه هما شخص واحد . ومن مصلحه شخصيات , و مستشفيات و مراكز قوى أن تكون الخدمه المقدمه للمرضى من المستشفيات في غايه السوء لتدفع بهم الى الإتجاه الى المستشفيات و العيادات الخاصه والمستشفيات خارج السودان – وهي في الغالب خيارات لا يغطيها التأمين الصحي لمعظم المرضى . وكاول الخطوات التي يجب ان تقوم بها الدوله وان يطالب بها العاملين في المجال الطبي والصحي والمواطنين على حد سواء , هي زياده الصرف على الصحه و محاربه الفساد والمفسدين داخل وزاره الصحه والعمل على تحقيق الآتي : 1/ خصخصه شركات التامين . 2/ إلغاء مجانيه العلاج . 3/ تنشيط و تفعيل العلاج بواسطه التامين الصحي . 4/ إنشاء نظام محاسبي متكامل بين المستشفيات وشركات التأمين والحكومه . 5/ تغطيه فئه الفقراء وغير المستطيعين بالتامين الصحي من ديوان الزكاه والرعايه الإجتماعيه . 6/تحميل الحكومه المحاسبه للحلات الطارئه المهدده للحياه والوبائيات و الكوارث . 7/إجبار اًصحاب العمل التأمين على عمالهم – و تحميلهم نفقات إصابات العمل والأمراض الناتجه عن العمل . 8/ التمهيد لخصخصه المستشفيات الحكوميه العامه خصوصا مستشفيات ولايه الخرطوم مع الإبقاء على المستشفيات المرجعيه ومستشفيات المناطق الطرفيه . 9/ تأميم المستشفيات التابعه للجهات الحكوميه لإعتباريه –كمستشفيات السلاح الطبي , الامل , الشرطه , المعلمين , عيادات وزاره الخارجيه , الطاقه , شركات البترول, الجامعات الخ ... – مع إلزام هذه الجهات بالتامين الصحي . ختاما : ان ما تمارسه الحكومه من خداع للمواطنين والعاملين بالحقل الصحي في ظني اما يكون نابعا عن دهاء ومكر شديدين او عن غباء وسوء إداره – وفي الحالتين المتضرر هو الشعب الذي أصبح سهل الإنخداع والإنقياد وراء الشعارات البراقه . فمن يرفع شعار مجانيه العلاج لا يمكنه ان يرفع شعار التامين الصحي – فهما خطان متوازيان لا يلتقيان . د.ياسر مكاوي