[email protected] نتيجة لسياسة التحرير الاقتصادي التي طبقت في تسعينات القرن الماضي إزدادت نسبة الفقر في ولايات السودان كافة ، واتسعت الفجوة في توزيع الدخل اتساعاً لم سبق له مثيل .. وضاعت كثير من الحقوق ، التي ارتبط الحصول عليها بالقدرة المالية وبالنفوذ والولاء .. ومع إزدياد نسبة الققر ورفع الدولة يدها عن تقديم الخدمات الصحية المباشرة ارتفعت تكلفة الخدمات الصحية وتوزعت غالبيتها علي المستوصفات والمراكز الصحية الخاصة التي وجدت الدعم والعناية والرعاية علي حساب المستشفيات الحكومية . وانخفض الصرف الحكومي علي الخدمات بما فيها الصحة ، واصبح ما يحدد للصحة في الموازنة من أرقام ضئيل جداً أمام الاحتياجات الحقيقية ، مما انعكس سلباً علي الوضع الصحي عامة وعلي قدرة المواطنين في التمتع بحق الصحة والذي يشمل الرعاية الطبية سواءً كانت وقائية أو علاجية أو تأهيلية . وفي محاولة من الحكومة لتلافي الأثار الكارثية لتثمين الخدمات الصحية بالمستشفيات الحكومية ، والتي كانت تقدمها مجاناً في العهود السابقة ، باعتبار أن حق الصحة حق أصيل كفلته المواثيق الدولية التي صادق عليها السودان ، صدر قرار بمجانية علاج الطواريء إلا أن هذا القرار بدأ ومنذ أيامه الأولي في التقلص تدريجياً ولم يكن الإلتزام به شاملاً .وليت الأمر استمر علي هذا الحال ، علي الرغم من قلته واخفاقاته ، فقد أعلن والي الخرطوم د. عبدالرخمن الخضر خلال مخاطبته الإحتفال بإفتتاح المستشفى الجنوبي إلغاء مجانية العمليات القيصرية وعلاج الأطفال على أن يتم توفير الخدمات العلاجية عبر بطاقة التأمين الصحي والعلاج الإقتصادي . يأتي هذا القرار في وقت تزداد فيه وفيات الأمهات في الولادة ، ووفيات الأطفال حديثي الولادة حيث كشفت دراسة أجريت حديثاً أن عدد الأطفال الذين يترددون على قسم الطوارئ في مستشفي واحد بالخرطوم بلغ 18.000 طفل في الشهر يذهب منهم حوالي 1.500 للفحص في أقسام الأشعة والموجات الصوتية وغيرها. كما يجيء القرار في ظروف اقتصادية سيئة جداً تجعل من المستحيل لقطاعات كبيرة من النساء تحمل تكلفة العمليات القيصرية أو تحمل تكلفة علاج أطفالهن ، خاصة النساء العاملات في القطاع الغير منظم والنساء الفقيرات ، أو ذوي الاحتياجات الخاصة واللاتي لا يتمتعن بخدمات التأمين الصحي والضمان الاجتماعي وبالتالي هن أكثر الفئات المحرومة من التمتع بحقوقهن الصحية ومن الوصول إلي الخدمات الصحية والعلاجية مما ينذر بكوارث صحية وإنسانية يصعب تلافيها وتدفع ثمنها الفئات الأكثر حوجة للعناية الصحية ، وللحصول والتمتع بحق الصحة مما يجعلهن فاقدي هذا الحق . يجعل هذا القرار حق الصحة مرتبط بالأوضاع الاقتصادية والوظيفة للأفراد وليس حقاً عاماً للجميع دون تمييز ، كما جاء في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والذي بموجبه تكون حكومة السودان ملزمة وفقاً للمادة 12 بتوفير أعلي مستوي صحة لكل فرد دون تمييز ، كما تشمل التدابير التي يتعين علي الدول الأطراف في هذا العهد العمل علي خفض معدل وفيات المواليد ومعدل وفيات الوضع وتأمين نمو الطفل نمواً صحيحاً . الدعوة التي أطلقها الخضر لتلقي العلاج عبر التأمين الصحي فيه تنصل وتراجع كبير من إلتزامات السودان بتحقيق أهداف الألفية الإنمائية البند الرابع والذي يهدف إلي (تخفيض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين حتي العام 2015) ، والهدف الخامس والذي يدعو إلي (تخفيض معدل وفيات الولادة بمقدار ثلاثة ارباع حتي 2015وتعميم اتاحة خدمات الصحة الإنجابية بحلول عام 2015) ، كما أن هذه الدعوة بالإضافة إلي أنها تستثني شرائح كبيرة من المجتمع تضع تقديم الخدمات الصحية مرهون بنجاح تجربة التأمين الصحي والتي تواجه بانتقادات كثيرة وباشكالات فنية وإدارية ، وبالكثير من الاخفاقات هذا هو الحال في ولاية الخرطوم (المركز) ، والتي تنال النصيب الأوفر من المال والاهتمام باعتبارها عاصمة البلاد وقريبة من مراكز صنع القرار السياسي فما بال حال الولايات النائية والتي تشكو مر الشكوي من التهميش ونكران الحقوق وهضمها .ومن ضعف الميزاينات وتأخر وصول المال من المركز ، والذي يقسم الموارد وفق معايير غير واضحة وغير منصفة . كما أن ما تخصصه تلك الولايات من مال للصحة في ميزيانياتها قيل جداً إذا قورت بالصرف علي بنود أخري لا علاقة لها بصحة المواطن وبحقوقه الأساسية.