إليكم الطاهر ساتي [email protected] دكان عبد الجليل سابقا ... شنغهاي سودان حاليا..!! ** دكان عبد الجليل، من معالم قريتنا الطيب أهلها كما كل أهل السودان..غرفة صغيرة ذات باب خشبي مهترئ، ورفوف صغيرة بحيث الأرض كانت هي الماعون الأوسع لنصف البضاعة ، ولم يكن مدهشا أن يناولك عبد الجليل كيس عدس بزنة كيلو من أعلى رفوف الدكان ثم ينحني ويحشر رأسه تحت ترابيزة الميزان لمدة خمس دقائق ليخرج لك بعدها بكيس شعيرية لونه رمادي من أثر الغبار وبيوت العنكبوت..عبد الجليل لم يكن يتقن فن العرض، وكثيرا ما كان يبحث عن السلعة المراد بيعها ثم يخاطبك بعد البحث المضني متأسفا:(معليش، كنت خاتي كرتونة طحنية تحت شوالات البصل دي لكن شكلها إنتهت )،هكذا كان يعتذرثم يستدرك :( ولا ياربي الفيران تكون خلصتا؟، لاني اخر مرة خليت فيها زي نص كيلو ).. ونحمد الله على نفاد الطحنية، فالطحنية المخزنة بين جوالات البصل وفيرانها لو لم تكن نفدت لأنهت حياتنا بالتسمم ..وكانت هناك شجرة نيمة أمام دكانه، يجتمع تحتها شباب القرية للأنس ولعب الورق ثم البيع في حال غياب عبد الجليل، وكان كثير الغياب، ولكن قبل الغياب كان يحرص على تنبيه شباب النيمة: ( يا جماعة أنا طالع مشوار، راقبو الدكان ومشو الزبائن، بس الدين ممنوع )، ثم يذكرهم :( لو إتأخرت عليكم أقفلو الدكان وأدفنو المفتاح تحت الزير، ما تنسوا المكرونة ورا الرف في الواطة)..هكذا كان يدير متجره، حتى خسره وصار من فقراء القرية ..!! ** البارحة، تذكرت عبد الجليل وما آل عليه حال متجره وأنا أطالع آخر تقرير صادر عن المراجع العام حول الآداء الإداري والمالي بشركة شنغهاي سودان للأدوية..نعم كل الاموال العامة تدار بذات النهج الذي كان يدير به عبد الجليل أمواله الخاصة، وأموالنا بتلك الشركة محض نموذج..لايدهشك الإسم، هي إحدى شركات هيئة الإمدادت الطبية، وللشعب السوداني فيها ( 49%) من أسهمها والبقية لشركة صينية، ولذلك راجعها المراجع العام..تأمل يا صديق الرقابة الإدارية بالشركة، حيث يقول المراجع نصا : لا توجد لائحة مالية تنظم العمل المالي والمحاسبي وضبط إجراءات الشراء، لاتوجد موازنة تقديرية للرقابة على بنود الميزانية وما يصرف منها، بل لايوجد حتى هيكل تنظيمي ووصف وظيفي بالشركة، ولذلك لايوجد سجل للعاملين، ويتم التعيين بالتعاقد فقط ، ومن خلال فحص ملفات العاملين وجدناهاغير مكتملة..هكذا يقول المراجع العام يامن تتهمون الصحف بالإثارة والتهويل في محاولة يائسة للتستر على مثل هذا النهج الإداري المعوج ..!! ** عفوا، لم ينته حديث المراجع بعد، تابع ما يلي..لايوجد فصل بين الإختصاصات، حيث هناك موظف واحد فقط لاغير يؤدي جميع العمليات، ولا يتم إجراء جرد دوري لمخازن الأدوية وخزينة الشركة بواسطة الإدارة،وللأسف كل الإشعارات المصرفية الواردة من قبل المصارف غير مختومة بختم المصارف، وهناك عدم إلتزام بأرفاق الفواتير النهائية الداعمة لعمليات الشراء، وهناك عمليات محاسبية غير مدعمة بالمستندات..على سبيل المثال : تم صرف (78 مليون جنيه، لشراء عربة تايوتا كورلا موديل 2008 ، ولايوجد أي مستند يؤيد تلك القيمة ) ..( 29.500.000 جنيه ، لشراء عربة أتوس حسب إيصال إستلام المبلغ، ولا توجد فاتورة تؤيد تلك القيمة )..و..( نصف مليار جنيه لتخليص مواد من ميناء بوتسودان، ولكن لايوجد أي مستند يثبت هذا الصرف )..النماذج كثيرة، وبعضها مضحكة، بحيث تعكس لك بأن المال العام يمكن أن يتحول إلي مال خاص في لحظة غياب الضمير، مثل( 1.220 جنيه، قيمة شراء عجل لبابكر عبد السلام ، ولم يعرف المراجع علاقة عجل بابكر بأموال الناس )..(5.700 جنيه، شيك باسم عثمان محمد ، ولم يعرف المراجع الي يومنا هذا طبيعة ونوع الخدمة التى قدمها عثمان محمد مقابل هذا المبلغ )..هكذا النماذج، مؤسفة ومضحكة، ولن تسعها مساحة الزاوية، وكلها أموال عامة تصرف بلامستندات أوفواتير تؤيد أوجه الصرف، بل يقول المراجع بأن تلك الأموال تم صرفها فقط ب(قصاصات ورقية).. وهنا أسال بابكر عبد السلام، القيادي النافذ بالحزب الحاكم، لماذا يشترون لك عجولك الخاصة من أموالنا العامة؟.. ماخايف يوم القيامة تجي شايلها فوق ضهرك ؟..المهم، تابع الأدهى والأمرياصديق،المراجع العام يقول نصا : زادت المصروفات الإدارية هذا العام بنسبة (89%) عن العام الفائت..أي، زيادة في الصرف الإداري وذاك هو ( الحال الإدري )..على كل حال، كالعادة طبعا،ختم المراجع العام تقريره بتوصية مفادها : ( يجب إعداد لائحة مالية، يجب إعداد هيكل وظيفي، يجب إنشاء قسم مراجعة داخلية، يجب إنشاء قسم مشتروات، يجب.. يجب .. يجب )، هكذا.. ونحن أيضا نختم الزاوية بكل ذاك ال( يجب )، ويجب مساءلتهم ومحاسبتهم أيضا..ثم نؤكد، لسنا بحاجة إلى مفوضية فحسب، بل إلى (حكومة كاملة لمكافحة الفساد ) ..!! .................. نقلا عن السوداني