[email protected] نعم لم تكمل الأشياء دورتها فهى ما زالت تتداعى ، ولا زالت هذه العلاقة النقدية التقييمية فى علاقة الانسان بمجتمعه و علاقة المجتمعات ببعضها البعض و تأثيرها و تؤثرها تأخذ دورها فى هذا التراص القائم للثورات الرافضة و التطلع نحو التغيير و أيجاد رؤية و دينامية جديدة لهذه العلاقة ، غير أنّ تساؤلاً هاما يتبادر الى الذهن عن كنه محرك هذه الثورات و محفزها ، هل هى فعلا عزيزى القارىْ حصيلة تراكمات من الظلم و الأقصاء ما لبثت و أن أنفجرت وعلى نحو جماعى وفى أكثر من بلد و فى ذات الميقات تقريبا أهو مايمكن ان نسميه لحظة توحد المظلومين نحو ظالميهم ¬¬¬¬– و لماذا الان ؟ .. ألم يكن هؤلاء الحكام و أن تغيرت الوجوه جاثمين على حكمنا مئات السنين؟ أهى موجة التقليد ؟ و أن سلمنا بذلك ¬– فتقليد من ؟ أهو الغرب ؟ غير أنى عزيزى القارىء أؤمن تماما بهذه النظرية الغربية فى التغيير و لكن على شىْ من التحفظ – وذلك لكون هذه المجتمعات الغربية كانت دوما و فى حكمها علينا تأخذ من نفسها مثالاُ خيرا لما يجب أن نكون و تكون حيواتنا عليه ، فهى تسعى دوما أن نكون وفق ما تتصوره هى عنا وليس وفق ما نتصوره نحن لذواتنا فهى التى تتحكم فى نمط غذائنا و تعليمنا وجميع أوجه حياتنا الاجتماعية و الثقافية سعيا منها أن نكون دوما تحت رحمتها – أن نصنع تحت عينها – و حرصا منها أن لايقع ناتج هذه العوامل فى أيما تضاد معها و علاقتها النفعية معنا ، وماالتجربه التى أصطلح النيجيريون على تسميتها بالشرك الأمريكى (American Trap) ببعيدة عن تذكرها وعن أخذها كمثال صغير عما هى عليه العلاقة بين مجتمعاتنا و تلك المجتمعات الغربية ، فالمعروف أنُ الشعب النيجيرى مثله مثل الشعوب الأفريقية يعتمد فى غذائه على الذرة بأعتباره المحصول الذى تصلح له أراضيهم و يستجيب له مناخهم ، غير أن حكومته الرشيدة أقتنعت بقبول أعانة مجانية سنوية دائمة من أطنان القمح لشعبها مثله مثل الشعب المصرى و أن توحد القصد ، فكان بمرور الوقت و السنوات أن تحول الشعب من شعب اّكل للذرة – هذا المحصول الأدنى مرتبة فى قياس تحضر الشعوب!! – الى شعب مدمن للقمح – المحصول الأول فى مقياس تحضر الشعوب!! ، أذن مالضير فى ذلك ؟ لا ضير غير ان غالبية الشعب أصبح يعتمد فى غذائه على منتج لا ينتجه فلقد تمّ تغيير نمطه الغذائى! ،لا ضير غير أنه فى سنة من السنوات كان أن رست سفينة الأعانة تلك دون أن تفرغ حمولتها بينما بدأ التفاوض على أشده لثنى ذراع الحكومة النيجيرية فى الأستجابة للطلب الأمريكى أو فالجوع هو مصير الشعب . و ليس ببعيد عن ذلك الأتفاقيات التجارية العالمية ، مثل أتفاقية منظمة التجارة االعالمية (WTO)و من قبلها الأتفاقية العامة للضريبة و التجارة (GATT) و التى كان من أفرازاتها دخول الشركات القابضة و حمى الخصخصة التى أصابت عن جهل و فى كثير من الأحيان عن عمد بنية هذه المجتمعات فى كل مستوياتها فأدت الى كثير من الخلخلة والتغيير فيها و كذلك من أفرازاتها خروج المنتج الوطنى و القطاع العام و أقصاءه من دائرة المنافسة دونما أى تطوير لأدواته أو حماية لأسواقه الداخلية و بالتالى تأثر أو قل تعطل كل الدوائر ذات العلاقة بهذا النظام الأنتاجى ، من مادة خام ، أيدى عاملة ، وسطاء و أسواق الى مستهلكين و هذا ليس فى السودان فحسب, وكغيرها من الاتفافقيات العالمية راعت فى جلها مصلحة شعوبها و أغفلت مصلحة شعوبنا ، و لكأن فوكوياما فى (نهاية العالم) ينقل لنا أحلام شعوبه فيما يجب أن نكون عليه ليس فقط على المستوى الأقتصادى فقط ولكن على كل المستويات. أذن فالغرب يريد لحركة النقل هذه أن تتم تحت عينه ووفق شروطه بحيث يكون مردودها له لا عليه و بأنتقائية جشعه و ليس وفق ما نهوى نحن بحيث لا تتعارض مع ما يريدوه منا أن نحتفظ به من تصورات حول عدالتهم و أنسانيتهم ، ساعدهم فى ذلك سياسة التوزير التى أنتهجوها فى كثير من دولنا و دخولهم اللعبة السياسية فى بلداننا مباشرة و غير مباشرة و التى كان ناتجها حكام تنقصهم الكثير من الحكمة و الوطنية تجاه مشاكل شعوبهم غير أنهم كانوا لعبا لا حول لها فى حسن السباحة فى تأدية مهامهم الأخرى التى تضمن تفوق الاخر فى الجانب الاخر من البحر و أرضاءه و بالتالى أستمرارهم كحكام . أذن عزيزى القارىء كانت حركة النقل الأنتقائية هذه تتم على كافة مستوياتها بصورة سلسة ، فشعوبنا راضية تماما أو على الاقل قانعة بما فرض عليها من حكام و من سياسات تنحو نحو تغيير هذه المجتمعات فى كل أوجه حياتها أقتداءً بنسخة المجتمع الغربى المثالية . لكن يبدو أن أن ما ظنه الأخرون نهاية للتاريخ كان بداية للتقييم و الحكم على كل ما هو موجود و دون أنتقائية فمثلما أتسعت عيوننا كشعوب للتقنية التى وصل اليها الغرب و أتسعت معها أسواقنا كانت أعيينا تنظر ألى الجانب الأخر من التجربة وأقصد بها هنا الديمقراطية و مايتعلق بحقوق الأنسان و علاقات الحكم و مفهوم الدولة، فالأنتقائية التى كرسها الغرب و التى تواطأ عليها فى نقل تجربته الى تلك الشعوب ، هذه الأنتقائية جعلت هذه الشعوب لا تقنع بحظها الذى رسم لها بعناية و الذى لا يتعدى كونها شعوب مقلدة ، مستهلكة لا تجربة و لا مبادرة لها الا من خلال أنظمتها التقليدية الباطشة و التى فى أغلبها أنظمة عسكرية يدعمها أو فى احسن الأحوال يغض الغرب الطرف عنها لحاجة فى نفسه ، و يبدو أن ما أسهمت به وسائط و وسائل النقل المعرفية و غيرها التى أستخدمت كوسيلة أقناع وناقل للنسخه الغربية على مستواها المادى دون المستوى الأخلاقى ،هى ذاتها (أى تلك الوسائط و الوسائل ) التى أكملت بناء المشهد الغربى وفق ما نراه وليس وفق ماهو مسطور لنا أن نراه ، فكان أن بدأت هذه الرؤية النقدية لهذه الشعوب ولكل أوجه حياتها و لعلاقاتها مع الاخر و فيما بينها كمجتمعات . و يبدو أن ما أثير من أسئلة حول الهوية و الأخر أثناء و بعد الفترة الأستعمارية لتلك الشعوب قد بدأ ينفتح من جديد نحو دوائر ملأى بالأسئلة القديمة الجديدة فى أنتظار أجابات يبدو أنها تصنع على الأرض كنتاج لتداعى و تقييم جديد . ___________________ things fall apart – Chinua Achebe*