بشفافية كم سمكة في النيل الازرق حيدر المكاشفي إذا إستطعت عزيزنا القارئ أن تحصي عدد الاسماك التي يحويها جوف النيل الأزرق، ليس على امتداد طوله البالغ ألف وأربعمائة كيلومتر بل في المسافة المحدودة ما بين الجريف والقصر، عندها فقط يمكنك أن تخبر أفراد الشعب السوداني بعدد الشركات التي تملكها الحكومة عبر أذرعها المختلفة، وخاصةً مثلث القوة، الجيش والشرطة والأمن، فقد أضحى وأمسى وأصبح الوصول للرقم الحقيقي والكلي لعدد هذه الشركات عصياً على كل القدرات ولن يستطيع الوصول إليه إلا من توفرت له قدرة وحنكة ومهارة لاحصاء عدد أسماك النيل الازرق بأنواعها المختلفة من البلطي وخشم البنات إلى الكبروس والقرقور، أو من خصّه الله بقدرة خارقة يستطيع معها بسهولة ومن نظرة خاطفة أن يفرّق بين الشيصبان والقسعاء وهما داخل جحر النمل، والنكتة التي رواها أخونا الكاتب الصحفي أحمد المصطفى إبراهيم تقول أن وزيراً للثروة الحيوانية بولايةٍ ما ذكر فيما ذكر من إحصائيات كان يستعرضها بزهو وإعتداد أمام حشد من الملأ أن بالولاية كذا مليون حمامة، وحين ضجّ المستمعون بالضحك تحداهم بأن «الحساب ولد» وليخرجوا ليجوبوا أرجاء الولاية «بيت بيت ودار دار وزنقة زنقة وشجرة شجرة» ول «يصنقعوا» إلى رؤوس البيوت والاشجار ثم يطاطئوا رؤوسهم إلى الارض ليحسبوا عدد الحمام وإن وجدوه كاذباً لا شك أنه سيلقي باستقالته على وجوههم، لا أحد يعلم عدد هذه الشركات، لا البرلمان مجتمعاً ولا المراجع العام ولا المسجل التجاري ولا وزارة المالية، كما لا أحد يستطيع أن يعلم ما دام أن كل هذه الجهات المختصة حاولت أن تعلم ولكنها فشلت في أن تحصيها عددا، ومن لم يستطع أت يحصها عددا فهو بالضرورة أعجز من أن يشتتها بددا، ربما هذا الوزير الذي استطاع أن يحصي عدد الحمام بولايته هو وحده القادر على أن يحل لغزها ولهذا نقترح أن يتم تعيينه رئيساً للآلية التي ستتولى عملية تصفية هذه الشركات التي تقول إحدى الروايات أن عددها «646» شركة تعمل في مجالات شتى، وهو عدد إن صحّ أو لم يصح فلن يغير من حقيقة كونها شركات كثيرة بالعشرات وبعضها غامض تأسس خارج الاطر الشرعية والقانونية المؤسسة للشركات ولهذا كان من الطبيعي أن لا يعلم عنها أي أحد أو جهة غير من أسسوها أي معلومة وبالتالي إن لم يتطوعوا هم بكامل إرادتهم فكشفوا عنها فلن يكتشفها أحد وستبقى «مستورة» إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، من هذا الكم الكبير للشركات التي أجمع الاقتصاديون على أن غالبيتها أضرت بالاقتصاد والموازنات وبعضها إن لم يضر فلم ينفع والقليل جداً الذي لا يذكر كان هو الناجح، من هذا الكم أُعلن فقط عن اسم ورسم اثنين وعشرين منها بغرض التصفية وسكت الاعلان عن البقية ولم يقل لنا أن التصفية مستمرة وما هذه الا البداية التي ستتواصل حتى تصفية آخر شركة حكومية، كما لم يرفدنا إبتداء بعددها الكامل وأين هي كائنة ولمن تتبع من أجهزة الحكومة، حتى يكون الناس على بيّنة من أمرها، لتموت من تموت وتحيا من تحيا على بيّنة وليعرف الناس لماذا صُفيت هذه ولماذا أُبقى على تلك من الشركات الحكومية، أما قرار التصفية الذي صدر بحق اثنين وعشرين شركة فقط ورغم أهميته بمنطق شيء خير من لا شيء فانه يثير من الاسئلة أكثر مما قدّم من توضيحات حول هذه الشركات الغامضة بل هو نفسه قد دخل دائرة الغموض إحتاج معه إلى توضيح وتفصيل أكثر... الصحافة