[email protected] ليس هناك أسطع و أصدق دليل على أن نظام الإنقاذ في أضعف أحواله من (الجقلبة) التي باتت السمة الملازمة لقياداته وفقدان الرشد الذي أصاب قطاعا عريضا من منسوبيه، وأصبح يفضح ويشي بهذا الوهن فالمتأمِّل (لهضربة) كل من نافع ومندور في استنفارهم للكتيبة التي أطلقوا عليها إستراتيجية، ليعودوا بالذاكرة الوطنية لفترة سوداء من تاريخ شعبنا عندما حاول نظام مايو المقبور أن يمارس نفس اللعبة بتكوين ما أطلق عليها (أب عاج) حينها بالكتائب الإستراتيجية من أفراد الجيش التي كانت تحل محل العمال المضربين عن العمل في مرافق الدولة مثال -السكة حديد- وأدت لعدم خبرتها وتمرسها في العمل لكوارث عدة في تلك المرافق. لتعود عقلية الإنقاذ المتداعية بعد أكثر من ربع قرن وتستدعي نفس الفكرة؛ ولكن ليس لغرض سلمي كما كان الحال أيام (مايو)؛ بل بغرض الإرهاب والتحريض على سحل وقتل المعارضين من أبناء الوطن، في محاولة صبيانية بائسة لإرهاب شعب السودان وممارسة (الهر شه) كما يقول الصبية في الإحياء، كإجراء استباقي ووقائي يجنب صاحبه -المعلوم الجبن- خوض الصراع والعراك، وهو أسلوب فج ومراهق لا يجدي نفعا مع الجماهير الثائرة، فإرادة الشعوب لا تقهر، والتاريخ القريب والبعيد يشهد بذلك. لكن لا (الجقلبة النافعية) ولا (الهضربة المندورية) هي المستغربة فالجماعة لهم ألف حق، ولو كنت مكانهم لمارست المزيد منها، فالفطامة يا رعاك الله من أصعب الأشياء، وهم ما شاء الله ربع قرن من الرضاعة الدسمة الدائمة من ثدي الوطن الأخضر، حتى جف وذبل وغدا (جلافيط)، إذ لا تسريب عليهم أن مارسوا كل هذه (الزيطة والزمبليطة والفنجطة) وهم يرون (الشيمة) تدور بعنف من حولهم، وتبتلع أنظمة المنطقة الخرقاء، التي إن قورنت بنظامهم المثقل بالخطايا ثقلت موازين حسناتها وخفت موازين جرائمها وسيئاتها في حق شعوبها، ورغم هذا راح البعض منها في حق الله (شمار في مرقه) ومازالت البقية محشورة في خانة (الْيَكْ) ومطاردة (زنقه زنقه). ولكن المستغرب حقا والمثير للحيرة والعجب معا، موقف الإمام السيد الصادق المهدي الذي ما زال يجتهد ويجهد النفس في حوار عقيم مع نظام أدمن لعبة (الملوص)، كل همه كسب الوقت، متمترس حول ذاته، متدثر بدثار من المراوغة السمجة، ومزمل كيكة السلطة بجلد القنفذ، ويمنع الاقتراب أو التصوير. إنَّ غاية ما سيناله الإمام من الرضا -إذا ما رضي صقور الجماعة- هي المقاعد (البائرة) في برلمان (الإجماع السكوتي)، الذي يصفق ويهلل ويكبر الكومبارس فيه لزيادة أسعار السلع الاستهلاكية!!، ومن هوانه وضعفه أقر رئيسه بأنه لا يملك حق محاسبة الجهاز التنفيذي!! في حين يستأسد ويصر على إخلاء مقاعد النواب الجنوبيين قبل الميعاد، تمهيدًا لطرحها في سوق النخاسة، كجزء من صفقة خاسرة يحاولون تسويقها لضرب وحدة المعارضة، وإجهاض الحراك الجماهيري المتصاعد، والحفاظ على النظام المترنح المترهل. لا أدري ما هي رؤية السيد الصادق في ذلك ولكن تجاربه مع الأنظمة الشمولية بما فيها النظام الحالي الذي تجاوزت اتفاقاته وتفهماته معه السبع عشرة، جديرة بالتأمل والدراسة، وخير معين لاستخلاص الدروس والعبر: أن هؤلاء القوم لا يقصدون خيرا من وراء هذا الحوار، ولا يؤمنون به من حيث المبدأ، والمقصود منه ليس فقط ضرب وحدة الصف المعارض؛ بل أخطر من ذلك فالمقصود تشويه التاريخ السياسي، وحرق كاريزما الزعامات الوطنية بوضعها في مواجهة حركات التغيير الشبابية عامة، وإحراجها مع تيارات الشباب من عضويتها على وجه الخصوص؛ لإحداث شرخ يقود إلى انقسام داخل الأحزاب المعارضة، أو إضعاف وحدتها على أقل تقدير. السيد الإمام: إن استمرار الحوار مع نظام فقد مشروعية بقائه، وتوفير الغطاء السياسي له ليستمر في خنق أنفاس الشعب في الوقت الذي تجتاح فيه رياح التغيير دول المنطقة، مزلزلة لأركان الدكتاتوريات، ومزيلة لأدران ونجاسة النظم الفاسدة، هو حرث في البحر؛ سيضعف من موقفكم السياسي المعارض، ويقدح في صدق المقاصد، ويشرع الباب واسعا أمام التخرصات والأقاويل، ويكسب تصريحات أنصار النظام -التي يروجونها عن قصد- المصداقية، ويرسخ في أذهان العامة أن سعيكم وراء الحلول السلمية والإصرار على الحوار نتاج ضعف، والغرض منه ليس المصلحة العامة؛ بل تحقيق مكاسب شخصية لا تمت للأجندة الوطنية بصلة. سيدي الإمام: يشهدُ اللهُ إنَّا نُجلَّكم ونحترمُكم، ونكْره أنْ نراكم إذا وضعتم رحلكم في مضارب الإنقاذ، وهبت العاصفة، مهرولا في ركاب الفئة الباغية (زنقه زنقه)، ومُجْبَرِ على الرَّحِيل في إثرها إلى موضع نربأُ بِكَ وبأمثالك من قياداتنا الوطنية الشريفة أن تَحُلَّ به. لذا نرجو أن تَنْأَى بنفسكم، واتركهم يا بن الأكرمين يرحلون وحدهم إلى مزبلة التاريخ، واستعصم بالحق و(ارْكز متحزما متلزما ) (بحوش الخليفة) تَرِبَتْ يدَاك. تيسير حسن إدريس 27/03/2011م