ما سرُّ رسالة الطبيب عبدالله لشقيقه العميد عمرالبشير؟ د.زاهد زيد [email protected] بعد تخرجه طبيبا من إحدى الجامعات المصرية ذهب الطبيب/ عبدالله البشير مباشرة ليعمل في مستشفيات السعودية ، ولم يعمل يوما واحدا في مستشفيات البلد الذي علمه من الابتدائية ووفر له فرصة الدراسة في الخارج ، ولو أن الزمان كان كأيام الإنقاذ هذه لما استطاع والده العامل البسيط أن يساعده بشيء ليكمل تعليمه . عاد الطبيب ليتزوج من زميلته في الدراسة الطبيبة/ نور الهدى الشفيع ويطيران ليواصلا العمل غربتهما ولمدة تزيدعن العشرسنوات كان حصادها حفنة من الأولاد والبنات وبيت واحد من طابق واحد في أحد أحياء الخرطومالجديدة. لم تكن الزمالة وحدها هي ما جمع بين هذين الزوجين بل كان هناك قاسم كبير بينهما فكلاهما كان منتميا للتيار المتأسلم بقيادة الدكتور الترابي وذلك من أيام الدراسة الثانوية . لم يرجع الطبيب/ عبدالله مباشرة بعد الانقلاب الذي قادته حركته المتأسلمة ونفذه أخوه العميد عمر البشير ، بل ظل مواصلا عمله في هدوء في غربته حتى استقرت الأمور واستتبَّت . فالرجل ليس سياسيا لهذه الدرجة ولم يكن مستعدا للمجازفة باستقراره ووظيفته من أجل مبادئه مهما كانت وستثبت الأيام ذلك. في شهور الإنقاذ الأولي وصل زائر عادي لمكتب رئيس مجلس قيادة الثورة ، العميد عمرالبشير كان الزائر قد وصل من الملكة العربية السعودية حاملا رسالة من زميل غربته الطبيب /عبدالله لأخيه العميد عمر البشير كان كل ما طلبه الزائر مقابلة قصيرة يسلم أمانته ويذهب وكان هذا ما طلبه بالفعل من الطبيب/ الطيب محمد خير\"الشهير بالطيب سيخة\" الذي طلب منه ترك الرساله ليدخلها هو بنفسه لصاحبها ولكن الرجل أصرَّ على طلبه بأن يسلم الرسالة بنفسه وذكر أن كاتب الرسالة طلب وألح أن يسلمها لأخيه يدا بيد وهذا ما جعله يسعى لهذه المقابلة . باءت كل رجاءات الزائر بالفشل ورفض الطيب محمد خير الاستجابة له فلم يجد الرجل مفرا من أن يسلمه الرسالة ، وكانت مفاجأة أن يفض الطيب الرسالة ويقرأها بكل هدوء ثم يمزقها اربا اربا ويلقي بها في سلة القمامة . خرج الرجل مذهولا ولم يصدق ما حدث ، لتخرج هذه القصة وتتناقلها المجالس وتتناولها بالتحليل في محاولة للوصول للدافع الذي حدا بالعميد طبيب/الطيب محمد خير بتمزيق تلك الرسالة ؟ وعن محتواها الذي دفعه لردة فعل تتحدى رئيسه الجديد وتنتهك خصوصيته بهذا الشكل؟ لم تصل ايّ من تلك التحليلات لحقيقة محتوى تلك الرسالة لأن كل معطيات ذلك الزمان لم تكن لتساعد في الوصول إليها ولعل ذلك لم يكن ممكنا إلا بعد أن انشق المتأسلمون . فالراجح أن علاقة الطبيب/ عبدالله وزوجته العميقة بالتنظيم قد وفرت لهم بعض المعلومات التي كانت تدور في تلك الأيام عن نية الجماعة وزعيمها الترابي في ابعاد العسكريين عن السلطة وتولي التنظيم لها منفردا بقيادة زعيمهم طبعا . لم تكن تلك المعلومات مؤكدة بما يكفي كما لم تكن متداولة إلا بين صفوة من قيادة التنظيم الذين كانوا أشد حرصا على ألا تبلغ مسامع العسكريين ، هنا يأتي دور شقيق رئيس مجلس قيادة الثورة والذي كان عضوا فاعلا وذاعلاقات ممتدة داخل التنظيم هو وزوجته فليس مستبعدا وصول تلك المعلومات إليه ، فاختار أن يطلع أخاه عليها عبر تلك الرسالة الأسرية التي لا تثير شكوك أحد ، ولكن تشاء الصدف أن تنتهي لما انتهت إليه . تجدر الإشارة هنا إلى أن الأحداث أجبرت زعيم الجماعة وتنظيمه على التريث والعمل في الظل انتظارا لليوم الذي ينفردون فيه بالسلطة ، وقد ساروا في ذلك خطوات كان أكبرها حل ما عرف بمجلس قيادة الثورة وقد ساعدتهم الأقدار كثيرا برحيل عدد من قيادات الجيش إما قضاء أو بفعلهم ولكن تنامي نفوذ الدكتور الترابي والمخلصين له أثار مخاوف الآخرين (العشرة ومن تبعهم) فكان تحالف الأخيرين مع الرئيس وبقية العسكريين هو الذي أنقذهم من مصيرمحتوم خطط له الترابي منذ زمن طويل . إن ما حذرت منه تلك الرسالة التي لم تر النور، كان يمكن أن يتم بقيادة الترابي أو بغيره من الطرف الآخر (على عثمان وعشرته ) ولكن اختلاف المتأسلمين فيما بينهم اطاح بالترابي وأكد حاجة على عثمان وعشرته لغطاء عسكري متمثل في الرئيس وبقية العسكريين ولعل الفرصة لم تسنح ولعلها لن تسنح أبدا لعلى عثمان وعشرته بالانفراد بالحكم فقد فات الوقت وأصبحت الأنقاذ قاب قوسين أو أدنى من السقوط إلا إذا أرادت تلك الفئة استباق الزلزال أو ركوب مركب الثورة القادمة والقفز من السفينة الغارقة قبل الطوفان القادم لا شك فيه.