تراسيم.. ابنة السيّد الرئيس !! عبد الباقي الظافر أنا الآن قيد التحقيق.. الحكومة الجديدة تتهمني بإفساد الحياة السياسية.. كل الذين كانوا معنا في السراء أداروا ظهرهم.. المحقق يسألني عن اسمي وعنواني.. أحياناً أشعر أنّ الأمر مجرد حلم مزعج.. نكتة عابرة.. لا يمكن أن يحدث ذلك في بلدي.. بدأت أذكر حكايتنا مع الثورة التي أطاحت بأبي. لم يكن بإمكاني أن أتحمّل مظهر الجماهير وهي ترمي تمثال أبي المنصوب في الساحة الكبرى بالحجارة.. لأوّل مرة اسمع صوت بعض الوزراء يعلو على صوت (الريّس) في باحة النزل الرئاسي.. وزير الداخلية لم يعد يرد على اتصالات أبي.. أمّي اعتصمت بغرفتها.. تسمّرت عيناها على قناة الجزيرة التي تكره أبي، وتحرّض النّاس على الثورة.. حتى أبي لم يعد ذاك الرجل القوي.. ظلّ طبيبه الشخصي يلازمه طوال الوقت. منذ أن كان عمري خمس سنوات أصبحت أحمل لقب كريمة الرئيس.. بدأ البروتوكول يحيط بي.. رجالات المراسم يدخلون أنفهم الطويلة في تفاصيل حركاتي.. لم يكن بمقدوري حتى اختيار صديقاتي فى المدرسة.. كرهت الحياة في القصر.. تمنيت أن أكون مواطنة عادية.. دائماً كنت أشجع أبي على التنحّي. هؤلاء المتظاهرون نسوا تاريخ الرئيس القائد.. كان أبي رجلاً عظيماً.. شارك في الحرب بفدائية.. عندما مات الرئيس السابق قدّمه الجيش ليملأ المنصب الشاغر.. كان من المفترض أن يستمر في المهمة لمدة عام.. ولكن هذا العام تتمدد ليصبح ربع قرن من الزمان.. التجديد جاء بناءً على رغبة الشعب.. كلّما همّ أبي بالترجّل منعه رجالات الحزب.. أتذكّر جيداً حادثة البرلمان.. أمينة المرأة بالتنظيم بدأت تذرف الدمع عندما قرر والدي عدم الترشّح في الانتخابات.. نائبه في الرئاسة.. ولي العهد الذي من المفترض أن يؤول له الأمر من بعد قال لأبي (البلد تحتاجك في هذه المرحلة المفصلية، إن أصررت على مقاومة رغبة الشعب فابحث عن رجل آخر يتحمّل مصادمة الشعور الشعبي) .. كلّ النّاس كانت تحب السيّد الرئيس.. لا أدري من أين أتى هؤلاء المحتجون. في الثانية صباحاً سمعت طرقات على باب غرفتي.. صوت عم صالح جاءني من وراء الباب المغلق بإحكام.. هذا الرجل ظلّ في خدمة أسرتنا منذ أن كان أبي ضابطاً عظيماً في الجيش.. أخبرني أن الريس يريدنا جميعاً.. وصلت إلى الصالون الملحق بغرفة نوم والدي.. وجدت أمّي وأخي ومدير مكتب الرئيس.. بعد دقائق جاء أبي.. كان مُجهداً.. لم يذق طعم النوم طوال الليالي السابقة.. أخبرنا الوالد أنه بصدد الاستقالة من المنصب وسيعلن ذلك في بيان مقتضب عند الثامنة صباحاً.. أخي احتجّ على قرار والدي.. أمّي بدأت تبكي كأنّها كرهت أن ترحل من هذا النعيم.. وحدي من رحّب بالقرار الصعب.. قبّلت أبي على جبينه.. أخبرني أنّ عليّ السفر الآن للحاق بزوجي و أبنائي بلندن.. رفضت الرحيل في هذه الظروف الصعبة.. خلاصة الذي تعلّمته من مسيرة خمسة ثلاثين عاماً في الحياة أنّ أبي أخطأ في اختيار وقت الرحيل.. ليته لم يُصدّق دموع تلك السيّدة. التيار