موسي [email protected] لقد تأكد بما لا يدع مجالاً للشك, أن الضربة التي حدثت في مدينة بورتسودان في الإسبوع الماضي, و نتج عنها تدمير سيارة صالون, ماركة ( سوناتا ) و قتل بسببها مواطنين بصاروخ , و تلك التي وقعت في فبراير من عام 2010م, و نتج عنها ضرب قافلة تجارية, و قتل 119 شخص بمجموعة صواريخ, تأكد أنها ضربات إسرائيلية. و هي ضربات إستباقية, لحماية الأمن الإسرائيلي. و معلوم , أن هذا الكيان الإسرائيلي, قام علي إغتصاب أرض الغير و بناء هذا الكيان الذي يسمونه إسرائيل. هذه الظروف التي أوجدت هذا الكيان, جعلته يغلب الإعتبار الأمني علي كل الإعتبارات. لذا فإن إسرائيل تتمدد أمنياً, و تعمل علي إختراق الأنظمة الحاكمة في بعض البلاد, و خاصة في محيطها الإقليمي, و بلادنا ليست إستثناء. لقد بدأ الوجود الأمني الإسرائيلي في بلادنا منذ زمن طويل. في عام 1966م, قبض علي رجل أرمني, كان يمتلك محل ( البون مارشيه ) الشهير و الذي كان في المحطة الوسطي في الخرطوم. تم متابعة هذا الرجل و قبض عليه داخل محله و بحوزته وثائق تدل علي تخابره لصالح إسرائيل. تم إعتقال هذا الأرمني و سحب الجنسية السودانية منه و طرده من البلاد, حيث غادر إلي سويسرا. هذا الحادث الذي وقع في بلادنا منذ سنين بعيدة, يشير إلي وجود مصلحة لإسرائيل في بلدنا, و يشير إلي الإستيراتيجية الأمنية التي تتبعها إسرائيل , حيث تعتبر إسرائيل, كل محيطها الإقليمي مجال حيوي, تتحرك في إطاره, و تنشط أمنياً, حماية لأمنها من خطر قد يبدو. و يدخل ضمن هذه الإستيراتيجية, إرسال إشارات هنا و هناك, أنها علي إستعداد لضرب أي تحرك يهدد أمنها, و إن بعدت المسافة , مستخدمة الإستيراتيجية الهجومية Offensive strategy, مثل إستيراتيجية الضربة الخاطفة Blitzkrieg strategy , كما حدث للمفاعل النووي العراقي في عام 1980م, و كما حدث من ضربتين وقعتا في بورتسودان. هذا بجانب الإستيراتيجية الدفاعية Defensive strategy, و منها إستيراتيجية الردع Deterrence strategy كما يحدث في قطاع غزة. ثم هذه الأعداد من السودانيين, الذين أخذوا يسافرون إلي إسرائيل بأي طريق, بهدف العمل أو الدراسة. و بعضهم يسافر إلي هناك تحت حجج, منها حجة الإضطهاد الديني و العرقي و السياسي. و لاشك أن الحكومة اًلإسرائلية تجد ضالتها في بعض من هؤلاء, إذ تقوم بتجنيدهم لأداء مهام معينة, و منها بالطبع العمل الإستخباري, و ذلك وفاءاً لما قدمته لهم من عون. في عام 1980م, نزلنا في فندق صغير في ميدان العتبة في وسط القاهرة. كان معي زميل دراسة, و أخ ثالث من أبناء الجنوب, يدعي سعيد. أفادنا سعيد, أنه في طريقه إلي إسرائيل, ليدرس الجامعة هناك. سألناه : كيف ستتمكن من دخول إسرائيل هذه, و كيف ستسافر و أنت لا تملك مالاً؟ قال أنه قادر علي الدخول و الدراسة هناك, و لم يبين لنا أكثر من هذا. نفحناه جنيهين وودعناه و ذهبنا إلي مقر الجامعة في شرق القاهرة. لا إتهم شخصاً بعينه سواء كان من الجنوب أو الشمال بالتخابر لصالح إسرائيل, لكن هذه هي الحقيقة. منذ ذلك الوقت و ربما قبله, و السودانيون يسافرون إلي إسرائيل. هذه الدويلة التي تبدو متحضرة, وسط هذا المحيط العربي المتخلف. لكن يغلب عليها الهاجس الأمني, و بالتالي فهي علي إستعداد للرد علي أي تحرك تراه يهدد أمنها, حتي و إن كان بعيداً مثلما حدث في بورتسودان. لكن تقول الحقيقة, أنه ليس هناك في عالم اليوم ما يعتبر بعيداً أو غير مقدور عليه, إذ أتاحت التقنيات الحديثة الوصول إلي أي هدف مهما بعدت المسافة. و هذه الأعداد من الأجانب الذين دخلوا البلد لهدف ما ظاهر, سواء كان دخولهم للتعليم أو الإستثمار أو غيره, لكن من يضمن أن بعضهم يعملون في التخابر لصالح جهات ما. و في هذا الإطار يثور التساؤل : من دل الأمن الإسرائيلي علي تنفيذ هذه الضربة الأخيرة, في هذا المكان و في هذا الوقت؟. لاشك ان ثمة أمر ما قد حدث في الخفاء, و عدته إسرائيل تهديداً لأمنها, و من ثم وقع ما وقع من أحداث مرتين. قطعاً سيتكرر ما حدث في المستقبل, طالما أن هناك شئي يتم و طالما أن إسرائيل قادرة علي الرصد و المتابعة و الملاحقة, و ما دام أن أجهزة الرصد و المتابعة و الدفاع لدينا ضعيفة. إذن لابد من معرفة الأسباب التي أدت إلي حدوث هذا الذي حدث و إيقاف هذا الذي يتم علي حساب مصلحة البلد و شعبه. نحن مع الحق الفلسطيني, لكن لا يعني هذا أن يتم علي حساب مصلحة البلد و أمنه. و لننظر حولنا لنري كيف تتعامل إسرائيل مع جوارها. ما يلاحظه المرء, من واقع متابعته لمجريات الأمور في هذا البلد و قراءته للأحداث, هو أن الحس الأمني يكاد أن يكون غائباً. أقصد بالحس الأمني , القدرة علي قراءة الأحداث و أخذ زمام المبادرة و توقع ما يستجد من أحداث في ضوء قراءة الواقع و تحليله و التقرير بشأنه. هذا يسمونه البعد الإستيراتيجي للأحداث Pre-emptive. لكن و للأسف يكاد أن يغيب هذا البعد الإستيراتيجي , رغم أن بلادنا يوجد بها عدد غير قليل ممن يسمون أنفسهم, خبير إستيراتيجي و باحث إسيترتيجي و محلل إستيراتيجي ألخ من الوظائف التي ينبغي أن توظف في هذا المجال الحساس. الإستيراتيجية هي الإطار الكلي الذي تعمل فيه مؤسسات الأعمال, سواء كانت حكومة أو قطاع أعمال عام أو خاص و هو ما يحدد مسارها في الحاضر و في المستقبل. إذن ماذا أعددنا لما يستجد من أحداث و بلادنا في حالة توتر هنا و هناك؟ نحن مع الحق الفلسطيني . لكن علينا أن نضع مصلحة بلدنا فوق كل إعتبار, حتي لا تتعرض بلادنا للعدوان مرة أخري. و يوم نمتلك زمان القوة و نكون قادرين علي التأثير في غيرنا, فلنفعل, و إن كنت أري أن عهد الشعارات و تصدير الثورات قد إنتهي. الرياض / السعودية