[email protected] سؤال يئز في الأدمغة:لماذا لا تنكب مفرزة من العلماء النابهين في بلادنا،على مبحث معمق حول أعراض ومتلازمات مرض (الهبوط الحضاري)،على غرار المقايسات والمنهجيات المعتمدة لدى مرجعيات أكاديمية، وجمعيات، وكيانات طبية عالمية، يستهدي بها الممارسون المهنيون للطب وعلومه في استيفاء شروط التشخيص الإكلينيكي لأي مرض، بالتوصيف الدقيق لأعراضه، ومؤشراته المترافقة بتلازم ثابت، فينبه ظهور عرض إلى وجود الآخر، ويقود ذلك إلى تحديد أسباب استثارة المرض الحافزة أو الكامنة، في سياقات إحصائية متقنة، ومن ثم حصر بيانات كل حالة بدقة، فيتيسر بالتالي، توفير المعالجات التفصيلية السليمة، بعيداً عن أي دجل أو تخرصات جزافية. قد يعني هذا، على نحو ما، مواصلة عمل أرنولد توينبي الذي أنجز لائحة ببعض الأعراض الرئيسة لانحلال الحضارات وتلاشيها. وقد وضع على رأس ذلك الجمود، والانغلاق، والإقصاء التعسفي للآخر، مما يؤدي، حتماً، لإضعاف القوة الخلاقة، ثم تدمير الهوية الثقافية، والتشققات في كيان المجتمع، فالإفلاس الوجداني والروحي، والعجز التام، في النهاية، عن اجتراح أية خطط ذكية لإعمار الانسان الذي هو مركز الحضارة وعمادها. فضرورة تشخيص مرض (الهبوط الحضاري) تكمن في أهمية التفحص العلمي الدقيق،ودوره في لجم شهوة التمويه على الأعراض وأسبابها تحت الأغطية اللغوية الملتبسة، حيث تستخدم (المتضادات) ك (مترادفات)، لتشحب في الأذهان، مثلاً، جدلية (الهدم/البناء)! من جهة أخرى فإن من شأن التشخيص السليم استبعاد حجاج (المراوحات الدائرية) التي لا تكاد تعرف سبيلاً لمغادرة المتاهة الأفعوانية لمتلازمة (الإرتكاس الحضاري). وعندما تضع المفرزة المعرفية يدها، كما أسلفنا، على مسببات الداء، ووصف الدواء، يكون من أوجب الواجبات تعزيز المناعة (الوطنية) الطبيعية، وحفز الأجسام المجتمعية المدنية كي تشكل فيالق دفاع تعزل الأجسام الضارة، وتحاصرها، وتجفف منابع زعافها الفيروسي، وكذلك العمل على تنشيط الذاكرة الحيوية للمناعة المكتسبة، كي تقوي من قدرتها على التعرف، مسبقاً، على هذه الأجسام الضارة، والانخراط، من فورها، في حفز الخلايا المناعية لإبطال المرض، وإحباط تكتيكاته الأولية، فيطيب جسد الأمة، ويتمكن من معاودة التصالح مع عناصره الحيوية الأساسية، الجغرافية والإثنية والثفافية، مستأنساً بتنوعها وتعددها بلا أدنى خوف أو وجل! ولعل من المفيد، كذلك، وضع توصيات بعدم الإفراط في الركون إلى (العقل السياسي) وحده، لإدارة أمور هذا الجسد، وتجنيبه إعادة تدوير تلك الخيبات. فهو كما عهدناه (عقل سلطوي) لا كابح لتفلتاته، ولا عاصم له من سوءة ضيق الأفق والصدر التي قد (يكبر) معها، دون أن (يرشد) بالضرورة! وخلال كل ذلك لا بد من الإيمان العميق بذكاء (جسد الأمة) وجسارته. فهو وأن كثرت عليه الإبتلاءات،يظل جسد عفي وحصيف، يدرك، تماماً، متى يتوجب عليه القيام بعمليات (إجهاض) ذاتية، دون أن يضطر للدخول في أية (تسويات) غير حكيمة! فهو عندما يتيقن من وجود التشوهات والإختلالات ، يسارع، من فوره، لإعلان حالة (إجهاض) طارئة، يتداعى لها سائره بإشارات إنذار منتظمة، ريثما يتم لفظ الكائن (الشائه) إلى خارج الرحم، دونما حاجة إلى أدنى دفع (خارجي)!