هناك فرق. في الإباحة والاستباحة..! منى أبو زيد قضيتان ظل علماء وفقهاء السودان يتحنبلون (اصطلاحاً) في الافتاء بشأنهما - كما لا، ولم يفعل حنابلة بلاد الحرمين – القضيّة الفلسطينية، وختان الإناث..! المجلس التشريعي بولاية البحر الأحمر - التي دفعت أرواح بعض أبنائها، وهجعة وأمن رعيتها ثمناً لمظاهر الحنبلة السياسية في شأن القضيّة الفلسطينية - حَظَرَ ممارسة ختان الإناث بكل أشكاله ومسمياته، متخذاً بذلك موقفاً (عظيماً) وإن كان مخالفاً لبيان هيئة علماء السودان التي فرقت في فتواها بين نوعين من الختان ..! بيان الهيئة الذي جاء متسربلاً بسرابل السياسة، حشر كل الآراء المخالفة في زمرة أعداء الحكومة وأعوان الاستهداف الغربي للمسلمين (المبطلين، والمرجفين، وأهل الهوى، ومخالب المنظمات المشبوهة) ..! على منهج (ربِّ أرني كيف تحيي الموتى) وعلى طريقة كيف وليس هل، ودونما أدنى مساس بمبدأ الإباحة، ألا يحق لنا أن نتساءل عن موقف الهيئة من نهج فقهاء آخرين استدلوا ب (شرعية منع المُباح للمصلحة)، وقالوا إنّه إذا ثبت بالتطبيق أنّ في استعمال المباح ضرر على الناس أو على أكثرهم، وجب منعه بناء على قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) ..؟! وعليه فإن أثبت الخبراء والمختصون من أهل الطب والعلم أنّ الختان يضر بالإناث ضرراً مؤكداً أو (مرجحاً) وجب إيقاف هذا الأمر، ومنع ذلك المباح، سداً للذريعة ؟! .. أولم يقل ابن قدامة في (المغني) أنّ الختان واجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، لكنه ليس بواجب عليهنّ..؟! القائلون بوجوبه يستدلون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لامرأة كانت تختن بالمدينة (أشمِّي ولا تنهكي)، أوليس هذا الحديث (ضعيفاً)، وقد صححه الألباني لاحقاً لتعدد رواته ؟! .. ثم بافتراض كونه حديثاً صحيحاً، أوليس الأمر فيه أمر إرشاد من رسول الله إلى الخاتنة بشأن تدابير أمر دنيوي هو ختان الإناث، وهو على هذه الكيفية، دليل جواز وليس دليل وجوب ؟! القائلون بوجوب ختان الإناث يستدلون – أيضاً - بحديث ضعيف الإسناد، أمَّن الشيخ الألباني على ضعفه هو (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء)، إنّما بافتراض صحته، هو يعني استحسان الختان باعتباره مكرمة، ولا يعني (الوجوب) أبداً ..! وقد قال القرضاوي في ذلك (إنّ ما يعتبر مكرمة في عصر أو قطر قد لا يعتبر كذلك في عصر أو قطر آخر، فالمؤثرات الثقافية على الإنسان تتغير من عصر إلى عصر، وفي عصرنا هذا يعتبر الأطباء ختان الإناث عدواناً على جسد المرأة) ..! عموم الفقهاء أجمعوا - ضمنياً - على جواز ما يسمى ب (ختان السنة)، ومنهم من قال بوجوبه واستحبابه، ومنهم من قال إنّ جوازه موقوف على توافر بعض الشروط التي يحرم ختان الإناث في غيابها ..! فاشترطوا أن تكون عملية الختان على أيدي المختصين الثقاة من الأطباء .. وأن يكون مكانها مجهزاً تجهيزاً طبياً بما يكفل سلامة الفتاة في حال حدوث أي طارئ .. وأن يتم تحري الدقة والمهارة .. إلخ .. وهي - كما ترى - شروط يستحيل توافرها في سودان البخاتة هذا.. بإمكاناته الصحية التي نعرف .. وتحت المظلة الشرعية التي تبيح المبدأ لسوف تختبئ عمليات الختان الفرعوني المحرم، فالنساء يكذبن على الرجال ثم يعثن الفساد خلف الأبواب المغلقة ..! ويبقى السؤال الأهم، كيف سكت بقية علماء المسلمين عن غياب ختان الإناث في بلادهم، إن كان بعضه واجباً ..؟! التيار