* (عن كثب ) الثائر .. عن الامام المهدى الجد المغيرة حسين [email protected] حين هرعت الوفود بقيادة (أبو السعود ) لتحاور الامام المهدى الجد فى الجزيرة ابا وكان الامام يدرك بحدسه الثائر وحماسته الطاغية والموضوعية أن مركب حكم (الترك ) فى السودان تغرق ..تغرق ، فلم يشأ الامام أن يقتسم السلطة مع المستعمرين ، لم يغره منصب فى الحكومة ولاسال لعابه لحفنة مال ، ما قال لانصاره فى ذلك الاوان أن (عرابى ) هزم فى مصر وينبغى أن نفاوض خديوية القصر وبشواته فى الخرطوم ، أبدا لم يقل ان السودان سيتحول الى ليبيا السنوسية وان عنصر مفاجأة الترك مضى وانتهى اوانه ، ولم ينتظر أن يصرخ انصاره فى وجهه ( لا تصالح . . لا تصالح ) بل طرد وفد الحكومة شر طردة . كان الامام المهدى الجد يعرف أن السخط و الكراهية حيال حكم الخديوية بلغا مدى هائلا وارتفعت وتيرة الغبن بين السودانيين حد الثورة فحكومة رءوف باشا وحلمى باشا ومن خلفهم الخديوى توفيق أذلت العباد واستعمرت البلاد وعاملت الناس كعبيد فى وطنهم وسامتهم الخسف والهوان وفتحت الباب على مصراعيه للتدخل الاجنبى ونشرت الظلم السياسى وتفشت فى عهدها البئيس الاجرد الرشوة والمحسوبية الشائهة فضاق الناس ذرعا واحتقن الغضب فى القلوب وكمنت الثورة فى صدور الرجال والنساء معا فى انتظار الملهم الذى يشعل أوارها ضد ظلم حكم الخديوية وجبروتها وعسفها . كان الغلاء فاحشا فى المدن وأذلت اعمال السخرة والدقنية والضرائب سكنى الريف . كان الامام الجد يعرف أحوال الناس عن كثب ، فمن خلال تطوافه الكثير وتنقله الحثيث بين مدن سودان ذلك الوقت واريافه والتحامه الاصيل ببسطاء السودانيين ودراسته العميقة نفسيتهم الجمعية ومزاجهم العام المهيأ، فتكون وعيه الاجتماعى ورسخت فى ذهنه الثورة ومضى يحرك المشاعر ويصبها فى قالبها القومى والوطنى متجاوزا القبلية المنتنة الضيقة ورافعا الحس باتجاه الخلاص الكبير من الذل و الاستعمار. لم يكن الامام المهدى الجد مفكرا تأمليا مترددا يقلب الفكرة ويقاربها حتى ينسرب الزمن من بين يديه وتضيع جراء ذلك الفرصة تلو الفرصة ، بل كان سياسا مفكرا يعرف كيف يتعاطى مع المعطى الدارج و العادى للاحداث ويحولها الى احداث تاريخية كبرى ، يحول الحدث مهما صغر الى قضية جمعية يلتف حولها الانصار والسودنيون ويندفعوا بها للامام وقد وصف بالعناد الايجابى والتصميم والاندفاع الحماسى نحو الامور التى يتصدى لها ويمضى فى الطريق الى شوطه الاخير ، يقول ونجت باشا مدير مخابرات الجيش المصرى : ,, ان الرجال كانوا يبكون ويضربون صدورهم عند سماع كلماته المؤثرة . . عندما يبدأ الوعظ ، عندها يدرك المرء القوة الكامنة فيه التى كانت تدفع الناس لطاعته ،،. أما القس اهرولد فكتب .. كان مظهره الخارجى قوى الجازبية ، فقد كان رجلا قوى البنية ، سحنته تميل الى السواد ، ويحمل وجهه دوما ابتسامة عذبة واسلوبه فى الحوار حلو وسلس . كان الامام المهدى الجد رجلا قوميا ووطنيا مخلصا تدافع السودانيون الى ثورته من شتى ربوع الوطن ، فى الفرقان والتكلة والضهارى ، من المدن والارياف ، من كل صوب وجهة وحدب ، وروت دماء شهدائهم الزاكية طين الساحات ورمل القيزان وعشب الغابات وحجر الجبل ، هم ادركوا باكرا أن للخلاص من ذل الترك واستعمارهم ثمن وأن الحرية مهرها غالى فجادوا بالدم يسقى الأرض ومابخلوا كلا والامام المهدى الجد أمامهم ولسان حاله يقول لهم : \" أنعى لكم ديكتاتورية (الترك) والى الابد \" .