هناك فرق. ما حمَلَك لا ما حمَّلَك ..! منى ابو زيد الأجانب المقيمون في السودان شارفوا على المليون،، أغلبهم لاجئون، وأكثر تلك الغالبية مهاجرون غير شرعيين من دول الجوار، أسسوا لظاهرة العمالة الهامشية غير المؤهلة التي أثرت – بحسب إحصائيات مركز السودان لدراسات الهجرة - على أرزاق الفقراء بالمدن، بينما ضيَّقت العمالة الوافدة من مصر وبلاد الشام فرص الحرفيين المحليين، المنتمين إلى الطبقة الوسطى .. هذا التفاقم في كم وكيف وجود (الآخر) القادم بسلوك مختلف وثقافة مغايرة، أقلق معظم فئات هذا المجتمع شبه المنغلق، فعلت الأصوات التي تندد بتجاوزات وجرائم العمالة الوافدة التي ساعدها اتساع رقعة البلاد، وحرضتها وصعوبة التحكم في مداخل ومخارج حدوده، وأغرتها طبيعة أهله المترفقة بالغرباء على التفنن في كسر القاعدة الأصولية للهجرة (الغريب أديب) ..! وكثر الحديث عن استحداث قوانين تضبط تدفق العمالة الوافدة بالبلاد، وتسهّل إحكام الرقابة وضبط المتخلفين وإبعاد مئات الآلاف من المقيمين بصورة غير شرعية في سودان البخاتة الذي اشتهر بحسن وفادة الضيوف – على علاتهم - من كارلوس .. إلى بن لادن .. إلى الأشقر .. وهلم جرا ..! خلاصة القول أن مخاوفنا في هذا الشأن تسير على هدي الدول الخليجية عندما بدأت في استقدام العمالة الوافدة للمساعدة في التنمية، والتي تشبعت في ذلك الحين بعقدة الخوف من الآخر/الأجنبي، ثم أفرزت تلك العقدة الاجتماعية مفهوم الكفالة الذي تطور إلى هاجس اجتماعي أصيل، يحكم التكييف القانوني لوجود الأجنبي بالبلاد ..! بعض نواب البرلمان السوداني هاجموا - في جلسته الأخيرة – نظام الكفالة المعمول به في بعض دول الخليج، ووصفوه بأنه أقرب لنظام الرق .. فكانوا بذلك كالذي يقر استباحة دم الحسين، ثم يقلق بشأن قتل ذبابة في الحرم ..! معلوم أن نظام الكفالة يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأنه يمنح الكفيل حرية منع المكفول من السفر، وإجباره على مكان العمل، والحجز على جواز سفره، وإبعاده عن البلاد بشكل تعسفي، واشتراط موافقته على إجراءات شخصية كاستقدام أسرته .. إلخ .. الأمر الذي تحشره بعض قوانين مكافحة الرق وحقوق الإنسان في خانة الاتجار بالبشر .! اليوم هنالك بدائل مطروحة لنظام الكفالة في بعض دول الخليج بصيغة تحمي حقوق المواطن والمقيم، وفي السعودية يدرسون اقتراحاً مفاده أن تقوم شركات استقدام كبرى بدور الكفيل مقابل نسبة مضمنة في عقد العمل .. إلخ .. ولكن حتى نظام الرق الذي استهجنه البرلمان يبقى أرحم للمغتربين من العودة الطوعية إلى بلاد يناقش برلمان حكومتها ظاهرة احتكار أسر وجماعات المسئولين للوظائف في وزاراتها ..! أيها السادة النواب (خير البلاد هو ما حمَلك لا ما حمَّلك) .. عوضاً عن الهجوم على نظام الكفالة - الذي يستجير المغتربون برمضائه من نار البطالة والفقر والجوع في قلب الوطن – أين أنتم من مقترح/مشروع إعادة توطين فقراء المغتربين المستجيرين بالخارج ..؟! التيار