الرأي22 السودان.. لا خبز ولا حرية محفوظ عابدين ابراهيم قد تبدو العبارة في ظاهرها كأنها تعني المقولة المعروفة «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان» وهي العبارة التي انطلقت منها كل الثورات العربية خاصة في تونس ومصر، وان كان الخبز ظاهرا وحاضرا في التونسية أكثر من المصرية، التي كان مركزها التغيير بشكل أساسي ومحاربة الفساد بشكل أشد، والحرية قد تعنى للتونسي امرا ملحاً أكثر من المصري، باعتبار ان قبضة بن علي ومن قبله بورقيبة كان لها أثرها الواضح في تذويب شخصية المواطن التونسي، وغيابه عن المسرح العربي في مجالات مختلفة، إن كان على الصعيد السياسي والثقافي والفني. وإن كان لتونس حظ في هذا المجال فهو في الرياضة، فهو واضح أكثر من غيره، ولكن من خلال مباراة هلال السودان والافريقي التونسي الاخيرة وضح أن تونس يمكن ان تفقد هذا المجال الذي برزت فيه بكل اكثر من غيره، حيث ذاق الشعب التونسي طعم الخروج على الحكام في السياسة في ثورته الشعبية، وايضا أراد الخروج على «الحكام» في المجال الرياضي، فاقتحم الملعب، وفقد فريقه النقاط وخرج من المنافسة، ويتعرض لعقوبة من الاتحاد الافريقي، لأن القوانين تختلف، فالمنظمات الدولية والدول كلها مع حق التعبير، ولكن في «الفيفا» الأمر يختلف عما جرى في تونس من أحداث انتهت بهروب بن علي من الساحة السياسية، ولكن الحكم المالي الذي أدار لقاء الهلال والافريقي لم يخرج من الساحة الرياضية، الا بعد أن عزز انتصار الفريق الآخر وتتويج بطل السودان إلى دوري المجموعات. اذن حرية التعبير أخرجت بن علي من الحكم واخرجت الافريقي التونسي من منافسة ابطال افريقيا، وكما قال الزعيم اسماعيل الازهري فالحرية «نور ونار» من اراد نورها فليكتوِ بنارها، وواضح ان نورها خروج بن علي من الحكم، ونارها خروج الافريقي من المنافسة الاكبر على مستوى القارة الأفريقية. وراضية عاشور تونسية وإعلامية عملت في مكتب الاممالمتحدة في الخرطوم، وكانت ذات نشاط محموم، واصطدمت طريقتها في العمل بالسلطات، وتلقت تهديداً بالطرد من السودان، ولكنها نجت من ذلك التهديد، ولم ندر ان كانت قد غيرت من طريقتها ام انها احتمت بالمنظمة الدولية حتى تكمل فترتها بالسودان، وكما يقول أحد المدرسين عندما يسرح في الشرح ويريد ان يعود للموضوع يقول «ما علينا». المهم ان راضية عاشور ذكرت لبعض جلسائها من اهل الاعلام في السودان وهي تشير الى مسألة الحريات في المغرب العربي، ان الحرية في الجزائر افضل من كل دول المغرب العربي، واشارت الى قصة رمزية تقول ان كلبا جزائريا ذهب الى الحدود مع تونس بحثا عن طعام، فوجد كلبا من تونس يهم بالدخول الى الجزائر، فسأله الكلب الجزائري ما الذي يدفعك الى الذهاب الى الجزائر وانت في تونس تجد ما لذَّ وطاب من الطعام؟ فرد الكلب التونسي أريد أن «انبح بأعلى صوتي» وهذا ما لا أجده في بلدي. وتبقى مسألة الحريات في كل الدول هاجسا يحيط بالقوى السياسية غير الحاكمة، وبالمواطنين الذين يبحثون عن حرية التعبير حتى في مسألة ارتفاع الأسعار التي تتعلق بمعاشهم. والسودان ليس استثناءً من ذلك، ففي يوم حرية الصحافة جاءت كل التقارير في الفضائيات عن السودان سلبية، وان مساحة الحرية تضيق بالقوانين المختصة والعامة مثل القانون الجنائي وقوانين القوات النظامية، ولم تجد الصحافة السودانية مساحة تمكنها من الخوض في موضوعات تعتقد أنها ضرورية في تناولها من أجل تمكين شرعيتها باعتبارها سلطة رابعة، من حقها أن يكون لها دور في الحياة العامة. ولكن السلطات ترى أن حرية الصحافة في بلد يواجه تحديات كبرى هي نوع من الخطر بمكان قد لا يدرك مداه الذين يجلسون على بلاط صاحبة الجلالة، لأن كثيرا من «المعلومات» تغيب عنهم، وهذه أيضاً واحدة من مطالبهم في حقهم الحصول على المعلومات التي تجعل صحافتهم ذات قيمة، ولكن لم يدرك اهل الصحافة في السودان بعد أن من يملك المعلومات هو الذي يقرر متى يخرجها وبالكيفية التي يراها وبالقدر الذي يحدده هو لا غيره، ويخدم اهدافه، لأن هذه المعلومات تبنى عليها خطط وبرامج، ودونكم عملية اغتيال بن لادن، فالاستخبارات الباكستانية كانت خارج العملية، رغم أنها حليف مهم جداً للولايات المتحدة التي نفذت العملية، الأمر الذي دعا السلطات الباكستانية إلى فتح تحقيق في ما سمَّته اختراقا استخباراتيا في كل ما يخص عملية اغتيال بن لادن بالقرب من مكان حيوي جدا لباكستان. إذن مسألة المعلومات التي تبحث عنها الصحافة السودانية لا تجدها بالقدر الذي يحقق طموحاتها، وان كان اثنان من مسنوبيها في الحبس بسبب المعلومات المنشورة، الأول بحكم قضائي هو أبو ذر علي الأمين من صحيفة «رأي الشعب» المتوقفة عن الصدور الناطقة باسم حزب المؤتمر الشعبي المعارض حيث احتفلت الصحافة السودانية في يوم حرية الصحافة بنجاح ابنه في امتحانات الاساس بولاية الخرطوم، ولم تحتفل بتخفيف الحكم الصادر بشأنه. والثاني هو جعفر السبكي الموقوف بسبب تقارير صحافية يرسلها لإذاعة أوروبية خاصة بالنزاع في دارفور، كما أشارت صحف محلية بذلك. إذن المعلومات هي السبب في حبس الأول قضائياً، وهي السبب في حبس الثاني قيد التحقيق، ولكنها تمثل الصراع الذي لا ينتهي بين السلطة والصحافة في كثير من البلدان، واتكأت كل التقارير في يوم حرية الصحافة على حالتي ابو ذر والسبكي باعتبارهما حالتين ماثلتين لضيق الحرية في السودان. والبعض يرى أن الحرية نوع من انواع الترف في ظل شظف العيش الذي يعاني منه اهل السودان، وان الاولوية للخبز الذي يحيا به الإنسان قبل الحرية التي يعتقد البعض انها أهم من الخبز في السودان، باعتبار ان مناخ الحرية يوفر لك حق الانتقاد لكثير من السياسات التي يمكن ان توفر لك كثيرا من الخبز الذي وعدت به الحكومة بتوفير مخابز من الخارج تنتج ستة ملايين قطعة خبز في الساعة او اليوم، وبالتالي تحل مشكلة الخبز التي تؤرق الملايين من أهل السودان، خاصة في ظل الأزمات العالمية مثل ارتفاع أسعار القمح عالمياً وغيرها من المشكلات التي تؤدي الى ارتفاع الاسعار، وبالتالي تشكل ضغطا على المواطن العادي الذي تمثل له الحرية في التعبير أو امتلاك المعلومات أمراً ثانوياً. ويبقى الأمر في أهل السياسة الذين يديرون أمر العامة إن كان في الحكومة التي تعتقد أن سياستها تقود في النهاية الى توفير احتياجات المواطن البسيط، وتنقله تدريجياً من ضيق العيش إلى سعته، وبنفس القدر تقوده الى الحرية، أو في المعارضة التي ترى أن السودان بوضعه الحالي لا خبز فيه ولا حرية. الصحافة