هناك فرق. في طبائع الاستبداد ..! منى أبو زيد يكفي أن الذهاب إلى أحد الوزراء للسؤال عن معلومة – في هذا البلد – قد يكلف الصحفي ساعات من الحبس الاحتياطي على ذمة التأنيب، - في فارهة السيد الوزير، وبين حراسه المخوّلين بإجهاض أي محاولة للفرار - وساعات من مشقة التحقيق في مبنى جهاز الأمن..! بالضبط! .. هذه هي الحكومة التي غنَّى لها حسب الله في مسرحية ريا وسكينة (ناسبنا الحكومة وبقينا قرايب .. شبكنا الحكومة وبقينا حبايب!)، وحق له، فمن ذا الذي يجرؤ على محاسبة الحكومة ..! يا سعادة الوزير/المحقق/القاضي/السجان/ ..إلخ .. هل أتاك حديث الصحافة البريطانية التي تموّل مؤسسة مستقلة عن الدولة، وعن القرارات السياسية، اسمها مفوضية الإعلام للشكاوى، والتي تقدّم إليها وزير الأعمال بشكوى ضد صحيفة الديلي تلغراف متهماً إدارة تحريرها باستخدام حيل غير مقبولة في التحرّي بشأن قضية رأي عام ..؟! الصحيفة قامت بكل اطمئنان بتسجيل مكالمة هاتفية خاصة لنظيرك الوزير، تظهر انحيازه ضد شركة إعلامية في صفقة قناة تلفزيونية، فما الذي حدث ؟! .. ثارت حفيظة البرلمان من جهة، وأدانت المفوضية هذا الاختراق الواضح للخصوصية من جهة أخرى، ثم أعلنت عن عزمها نشر تعميم بشأن رحلات (التَصيُّد) التي تلجأ إليها بعض الصحف، الأمر الذي اعتبره رئيس تحرير الديلي تلغراف عرقلة لمهام الصحافة الاستقصائية بالبلاد ..؟! هل سمعت بريتشارد نورتون الصحفي البريطاني الذي كشف عبر تحقيقه الشهير (الحقائق القاسية في البصرة) - والذي نشر في صحيفة الجارديان - تورط القوات البريطانية في تعذيب وإساءة معاملة المدنيين والمعتقلين العراقيين في البصرة ..؟! هل سمعت بدونالد بوستروم الصحفي السويدي الذي برهن بالدليل القاطع على قيام إسرائيل باستخدام أعضاء المعتقلين الفلسطينيين بعد وفاتهم، وذلك عندما أرفق مع تحقيقه صورة لجثة شاب فلسطيني وعلى جسده العاري آثار جراحة على طول الصدر ..؟! هل أتاك حديث إيريك الصحفي الأمريكي الذي قوّض عرش إمبراطورية الوجبات السريعة عندما كشف – عبر تحقيق محلي - عن تفاصيل دقيقة بشأن ظروف العمل في المسالخ ومصانع تجهيز تلك الوجبات ..؟! الأنظمة الشمولية تصرّ دوماً على إزهاق روح العلاقة الطردية بين الصحافة والاستقصاء، وتدعم الصحف التي تجتهد في تغذية العلاقة العكسية بين مساحة الحرية ومقدار الحركة المطلوبة لإنجاز أي تحقيق صحفي يكشف عوراتها، لذلك ما يزال كوب الشاي هو الجندي المجهول في معظم تحقيقات الصحافة السودانية، حيث تؤخذ المعلومات من مصادرها طوعاً، وحيث حسن الصياغة هو سيد الموقف لا جهد الاستقصاء ..! وحيث شد الرحال إلى عقر دار الحدث لا يعني أكثر من الرصد ، والسؤال الذي يطرق أبواب الرضا السياسي، وحيث الانفراد بحسن المعلومة المجلوب بتطرية الصياغة - الخالي من لهاث المشقة ولزوجة العرق - ..! أما الاقتحام والالتحام .. وسبق الإصرار وعظيم الترصد .. وغير ذلك من صور الصحافة الاستقصائية، فما تزال دونه مئات العقبات وآلاف الفراسخ، بفضل جلوس أمثال سعادتكم على عرش الحكومات ..! التيار