في السياسة : مع حديث أوباما!! د. هاشم حسين بابكر [email protected] سياسة المحافظين الجدد التي قادها جورج بوش التي قامت على تأييد الأنظمة الطاغية في الشرق الأوسط كان الهدف منها استقرار وأمن إسرائيل لتكون الدولة الأقوى في المنطقة.. ورغم أن العراق كانت تُحكم بنظام حكم ديكتاتوري إلا أنه كان يمثل خطراً داهماً على إسرائيل، حيث قام المحافظون الجدد باحتلال ذلك البلد، وتصدير الديمقراطية له في حين أن تلك الديمقراطية كانت غائبة تماماً في بقية دول المنطقة ذات الوزن.. أوباما سار على نهج المحافظين وحين خاطب الشعوب العربية في القاهرة، طالب بالحرية لتلك الشعوب ولكنه في ذات الوقت أثنى على بعض الحكام المؤثرين في المنطقة حيث وصف مبارك بالحكمة، ووصف آخر بأنه إنما جاء ليتعلّم منه.. وثارت الشعوب في تونس ومصر وكلا البلدين كانت أنظمة الحكم فيها تديرها أمريكا.. والثورة الشعبية لا تحتاج لسند أمريكي، لذا نلاحظ القلق الأمريكي على المنطقة، والتغيير في أنظمة الحكم فيه خطورة كبرى على إسرائيل.. وكان تصريح أوباما في خطابه الأخير الذي قال فيه إنه سيساعد الشعوب العربية ودول الشمال الإفريقي ولكنه إمّن على أمن وسلامة إسرائيل في ذات الوقت.. السياسة الخارجية الأمريكية تمرّ بمرحلة تغيير ولكن دون المساس بأهدافها المنشودة، والتي أهمها أن تكون إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة وبذلك تستمر السيطرة على المنطقة ومواردها.. والجديد في السياسة الخارجية الأمريكية هو احتواء ثورات الشعوب في المطنقة وخاصة شعوب شمال إفريقيا التي تمثل الثقل العربي والقوة الحقيقية في المنطقة بعد احتلال وتدمير العراق وقدراته. أمريكا لا تريد أن يحدث الخطأ الذي ارتكبته في تونس ومصر لذا تعاملت مع الثورة الليبية بسياسة مغايرة، وكانت أول ثورة شعبية طبقت نموذج الاحتواء السياسي هي الثورة الليبية. وإذا فات على أمريكا احتواء ثورتيهما الشعبيتين، فإن نوعاً آخر من الاحتواء سيبقي عليهما وهو الاحتواء الاقتصادي، كلتا الدولتين تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة.. والخلافات والفتن الداخلية في تونس ومصر تؤثر تأثيراً مباشراً على السياحة التي تعتمد عليها البلدان بدرجة كبيرة، وكلا البلدين تأثرا اقتصادياً بعد نجاح ثورتيهما.. وكان الوعد الأمريكي بتحويل أرصدة الرؤساء وأبنائهم وحاشيتهم التي نهبوها الى مصر وتونس، وهذه العملية تأخذ وقتاً طويلاً وعائدها بسيط لن يفي بمتطلبات شعبي مصر وتونس.. ويبقى البنك الدولي وصندوق النقد اللذان تتحكم فيهما أمريكا، ثم من بعد ذلك القمح الذي تضبط مساره أمريكا أيضاً، وفضيحة مدير صندوق النقد ربما يكون سببها ما يدور في مصر وتونس، فالمدير فرنسي الجنسية وكان من المرشحين لرئاسة فرنسا، وتونس من دول الفرانكفورت، وفرنسا مهتمة بما يدور فيها وفي الجزائر والمغرب، والدولتان الأخيرتان تغليان من الداخل، وفي مصلحة فرنسا كسب الشمال الإفريقي، لذا ركز عليه أوباما حين ذكر الشعوب العربية وانتزع منها الشمال الإفريقي «رغم أنه يمثل الثقل العربي» وجعله كياناً خاصاً.. إزاحة مدير صندوق النقد تتيح لأمريكا وضع مدير آخر يستطيع تنفيذ سياسة الاحتواء الاقتصادي مع البنك الدولي الذي يديره أمريكي أيضاً.. والاحتواء الاقتصادي سياسة خطيرة جداً، ومن الخطر تداعياتها وضع الشعوب في مواجهة أنظمتها التي اختارتها بنفسها بعد نجاح ثورتها.. وقد ظهرت بوارد هذه المواجهة في تونس ومصر ولو بصورة مصغرة.. وحتى يكتمل الاحتواء السياسي ويؤدي الاحتواء الاقتصادي دوره، نجد في مصر وتونس حالة من الفزع السياسي التي انتابت الأحزاب العلمانية من الأحزاب الإسلامية، وحالة الفزع هذه التي كانت تنتاب أمريكا انتقلت إلى الأحزاب في كلتا الدولتين.. ومصدر الفزع الداخلي سببه أن المسيرات المليونية التي اجتاحت مصر وتونس بدأت كلها من المساجد، وتنوعت أسماء أيام الجُمع، كجمعة الغضب والحسم وغيرها من الأسماء.. لذلك ستجد تكتلات سياسية علمانية لتقليص النفوذ الإسلامي في الشارع العربي المصري والتونسي وحتى بقية الدول العربية، وخاصة شمال إفريقيا. لم يذكر أوباما السودان واليمن، وهما يحتلان موقعاً إستراتيجياً في شرق وغرب البحر الأحمر الذي يمثل ممرّاً إستراتيجياً مهماً للتجارة العالمية، ولفرض السيطرة على القارة الإفريقية الغنية بالموارد المائية والثروات الطبيعية.. في اليمن تشتعل ثورة شعبية على النظام الحاكم وهو حليف لأمريكا، ولا تستطيع أمريكا مد يدو العون له، فذلك يخلق عداء الشعب اليمني لأمريكا، وأقرب توجّه سياسي لليمن بعد سقوط النظام هو التوجّه الإسلامي، حيث نفوذ القاعدة الأقوى، كما أن الجنوب اليمني تسيطر عليه النزعة الانفصالية، والشمال اليمني يغلي وبنزعة طائفية، كل هذه النزاعات تقود إلى الفوضى، والفوضى هذه أيضًا يجب احتوائها لتصبح تلك التي رسمتها كوندا ليزا رايس في سياستها الخارجية وأضفت عليها مصطلح الفوضى الخلاقة، وهذا أقرب مصير لليمن إذا لم ينتبه القادة الى هذا المخطط.. السودان وهذه إحدى المحطات المهمة لأمريكا وإسرائيل فالمسرح السياسي في السودان في حالة خمول وضعف، فالصراع السياسي بين نظام الحكم ومعارضته يكاد يكون معدوماً، فقوة النظام من ضعف معارضته وهذه ليست قوة حقيقية.. والصراع سنة من سنن الحياة، فلا حياة بلا صراع، فإن غاب الصراع في الخارج، فإنه سيندلع في الداخل «وداخل المنظومة الحاكمة أعني» والفساد استشرى وباعتراف الرئيس الذي أعلن عن تشكيل مفوضية له، هذا بالإضافة لاتفاقية نيفاشا التي قدمت نموذجاً عملياً لتجزئة السودان، وخلقت قضايا حدود ومياه لا تقود إلا لحرب قد تمتد لتشمل كل الإقليم.. هذا الوضع رغم الهدوء الظاهر وضع خطير، وخطورته تتمثل في عدم وجود قيادة تحكم الأمور إذا تفجّرت، فإذا كان للإسلاميين في مصر وتونس دور في ثورتيهما، فإن المحزن في السودان أنهم هم الذين يحكمون، وهم من سيثور الشعب عليهم.. والسودان في هذه المرحلة لن يجد مساعدة من أحد، ولن ينهض ما لم يبادر هو.. أمريكا أعلنت عن مساعدة الشعوب لأمر تخططه هي، لذلك على النظام أن يبادر هو بمساعدة شعبه ويحتويه قبل أن تحتوي أمريكا فوضاه لتكون خلاقة بالنسبة لها ومدمرة بالنسبة لنا.. وقد ظللت أنادي بتشكيل حكومة تكنوقراط ليبنوا ما تهدم خلال العقدين الماضيين ولتقديم الماء لشراب المواطن والعلاج لمرضه والتعليم لأبنائه والعمل المنتج لهم بعد تخرجهم، هذا ما يرضي الشعب ويخمد النار التي يمكن أن تشتعل لدرجة الانفجار حكومة تدرك ما تفعل، لها خطة تقوم بتنفيذها وتكافئ على إنجازاتها وتحاسب على إخفاقاتها حكومة نظيفة اليد عفيفة اللسان تؤمن بالله وتخشاه ولا تخشى أحدًا سواه. هذا هو المخرج، لقد مل الشعب ما هو قائم، والإنسان بطبعه ملول، الفاروق عمر عليه رضوان الله حكم وأقام العدل وأسس الدولة الإسلامية وقهر أقوى الامبراطوريات آنذاك، سيرته وعدله تحدث عنها الأعداء قبل الاصدقاء، وهو أول من يؤتي كتابه بيمينه، حكم اثنى عشر عاماً أقام فيها العدل ونشر فيها الإسلام، بعد كل هذا ملته قريش لطول فترة حكمه.. لذا لزم التجديد في الأشخاص وفي الأفكار وفي المنهج..