سهل وممتنع (حقنة) كمال عبيد و(كشة) البشير سهل آدم sahladam_(at)_yahoo.com في سبتمبر 2010 وقبيل اجراء الاستفتاء، أدلى القيادي في حزب المؤتمر الوطني، كمال عبيد، احد الأوجه الصدامية والمحسوبة على أشد تيارات الغلو والتطرف بالحزب بتصريح قطع فيه بأن المواطن الجنوبي لن يكون جديرا بالبقاء في الشمال ولن يحظى بأي امتياز أو حتى حق العمل او البيع والشراء في الأسواق حال وقوع الانفصال، وقال بشكل أكثر سفورا انه سيحرم حتى من الخدمات ذات المستوى الإنساني ك(الحقنة) راجع (الرأي العام السبت 25 سبتمبر 2010) ، لقد اصاب ذلك الموقف شعور شعب شمال السودان، قبل الجنوب، بالصدمة والإحباط، ولم يصدر أي نفي أو تصحيح من المؤتمر الوطني، وقتها قلنا انه لايجب النظر الى تصريحات عبيد على اعتبار انها منعزلة وفالتة وتخصه لوحده بقدر ما هي تعبير عن تفكير جمعي ونوايا مشتركة لذلك الحزب، والآن يكرر رئيس المؤتمر الوطني ذات الجمل وبذات المفردات ليستعيد شعب الشمال ذاكرة الفجيعة مجددا. سأورد فيما يلي ملخصا لمقال كتبته تزامنا مع تصريحات وزير الاعلام بعنوان (كمال عبيد.. بالتي هي اخشن) على ان اعلق بعد ذلك على حديث البشير الأخير ورفضه الغليظ لمبدأ الجنسية المزدوجة وتحذيره للجنوبيين بضرورة توفيق أوضاعهم الهجرية وإلا فإن حملات (الكشة) ستطالهم واعترافه بأنه فرض حظرا تجاريا على الجنوب لمدة اسبوع باغلاق الطرق. (ان تصورات وزير الاعلام المريضة وافكاره الفقيرة لاترى في الانفصال سوى حملات (كشة) تطال نحو (3) ملايين جنوبي يوجدون بالشمال في سياق مشروع (اجتثاثي عنصري بغيض) ، يتجاوز رسوخ العري والعلائق الإنسانية ويتخطى الوشائج والاواصر التاريخية والتواصل المتقادم والمستمر على مدى السنين، وبالتالي بدلا من ان يكون الانفصال جغرافياً محضاً يصبح إنسانياً وسياسياً، إن حديث الوزير كمال عبيد ينم عن عنصرية فاضحة ونوايا انتقامية واضحة ضد الجنوبيين اذا اختاروا تأسيس دولتهم، بدلا من ان يجد خيارهم ذاك كل التقدير والقبول، سيما أن المؤتمر الوطني هو المتسبب الرئيسي والمسئول الأول عن فاجعة الانفصال بممانعته المستميتة للتغييرات والخطوات التي من شأنها جعل الدولة السودانية تسع الجميع وتتقبلهم فضلاً عن مقاومته ومراوغته في تنفيذ اتفاقية السلام التي كان ينتظر ان تنتزع الدولة من خلال تدخلات رئيسية في بنيويتها عبر التعديلات التشريعية واستعادة واصلاح اجهزة ومؤسسات الدولة لتأتي الانتخابات وتمثل قمة التغيير، لكن كل ذلك راح ادراج الرياح وبالتالي تلاشى الأمل في الوحدة وتسرب، ولا يجب أن يلام الجنوبيين على خياراتهم، ولكننا قبل ذلك نسأل وزير الاعلام لماذا يصر المؤتمر الوطني على (طرد الجنوبيين وعدم اعطائهم حتى الحقنة ونزع المواطنة منهم) في حين يكون نحو (4) ملايين أجنبي موجودون بالسودان الآن محل ترحيب، يقول مدير جهاز الامن السابق صلاح قوش في ندوة عن الوجود الاجنبي بالسودان نظمها البرلمان (أن عدد الشركات الأجنبية المسجلة بالسودان تبلغ حوالي 950 شركة يعمل فيها 13 الفا و150 أجنبيا وان عدد الذين منحوا جنسية سودانية حتى 2006م 42 ألفا و 212 كما ان عدد الطلاب الاجانب بالبلاد يبلغ 13 ألف طالب، فيما يبلغ عدد اللاجئين بالمعسكرات 112 الفاً و15 لاجئاً بينما يوجد 676 لاجئاً خارج المعسكرات) (الراية القطرية 31/5/2008) ، أي مفارقة تلك ان تسودن الحكومة الاجانب (الصريحين) وتبعد السودانيين الجنوبيين وتمنعهم من الاقامة والعمل بالاسواق مع انها تعطي ذلك الحق للمصريين وفق اتفاق الحريات الأربع، ومعلوم بالضرورة ان مايجمع الشمال بالجنوب يفوق مايربط مصر بالسودان، ويبدو قانون الجنسية السوداني متسامحا وهو يقر اعطاء الجنسية للاجانب الذين بقوا بالسودان لمدة (5) سنوات ولم تتم أدانتهم في أية جرائم تمس بالشرف والأمانة، حتى وان كانت لديهم جنسيات اخرى، (وحدد السودان رسميا أماكن استضافة اللاجئين الفلسطينيين العالقين على الحدود السورية العراقية والأردنية العراقية على أراضيه، حيث ستتم استضافتهم في ولايتي الخرطوم، والولاية الشمالية، وكان السودان أبدى استعداده لاستقبال كل اللاجئين العالقين على الحدود الاردنية العراقية، والسورية العراقية البالغ عددهم بين 1500 - 1700 لاجىء) (الدستور الاردنية 13/1/2008)، أذن فالحكومة تقبل وترحب بوجود (4) ملايين عامل أجنبى بالسودان، خلاف قوات يوناميد في دارفور التي تتجاوز ال(32) الف جندى و(تبادر وتطلب) استضافة (1700) فلسطينى وعدد غير معروف من المصريين المحتملين، وتعطي الجنسية السودانية للاعبي كرة القدم الذين تستجلبهم اندية القمة حتى قبل ان يصلوا السودان، فكيف بهذه الحكومة تضيق ذرعا بالسودانيين الجنوبيين. ومن عجب ان قول الوزير الذي يمثل ظاهرة (حلقمة صحافية) ان الشمال لن يسمح للجنوبيين حتى ب(حقنة في مستشفى)، وهو قول ينطوى على أزمة ضمير وإنسانية، فالعلاج خدمة ذات مستوى إنساني، والطبيب يتعامل مع بشر في المقام الأول ولا يعنى لديه كثيراً سواء كان مريضة سودانيا أم هنديا، وإلا ما معنى ان يسير السودان قوافل طبية الى افغانستان وغزة وغيرها لتقديم الخدمة الطبية لمحتاجيها هناك في حين يتم الامتناع عن تقديمها للأخ الجنوبي، ولكن يبدو ان الوزير لايعرف انه من الاخلاق التي هي غاية نهائية للدين ان تقدم العلاج والماء حتى لعدوك في الحرب، ثم ماذا يكون رد فعل عضو المؤتمر الوطني اذا ما اقدمت دولة ما على طرد السودانيين المقيمين بها، وبالمناسبة متى كانت حكومة عبيد قادرة على توفير الحقن لمواطنيها. في واقع الأمر فأن التصريحات غير المسئولة للوزير، الذي هو الناطق الرسمي باسم الحكومة، قد جلبت غير قليل من الاحباط واليأس في نفوس كثيرين من دعاة الوحدة وعززت من مواقف مؤيدي الانفصال، وتلك التصريحات في مستواها الأخير إنما تمثل إثارة للكراهية وحضَّ على العنف واللاتسامح وتغذية لتيارات التطرف والعنصريين الغلاة وتأجيج للفتنة العرقية، وان كان الوزير، فقير منهج، بائس المذهب، يحسب انه بفعلته المنكرة تلك يحاول كسب أراضي والتلويح بورقة ضغط في مفاوضات ترتيبات ما بعد الاستفتاء، ومحاولة استخدام جنوبيي الشمال كرهائن، فقد خاب مسعاه، فالمؤتمر الوطني الذي أتى بالانقلاب وأستمر بالقهر والتزوير لايمثل الشمال، وما يجمع مواطني الشمال بالجنوب في المقام الأول هو أنهم بشر، نعم الإنسانية تجمعنا قبل الجغرافيا، ومن هنا يجب ان تنتبه منظمات المجتمع المدني إلى مسئولياتها في صون وتعزيز الجوار الأخوي والتداخل الإنساني بين الشعبين بما يقود الى الاستقرار والتساكن بسلام وتبادل المنافع والمصالح المشتركة. أن المؤتمر الوطني مطالب، وعلى نحو عاجل بالاعتذار عن الاساءات التي بدرت من ذلك الرجل واستفزت ضمير ومشاعر الشماليين قبل الجنوبيين، وأقل اعتذار لامتصاص الصدمة هو أقالة الرجل ثم تعديل السلوك والنوايا غير الطيبة ازاء الاستفتاء، إن كان ما قاله عبيد لا يمثل الحزب أو يعبر عنه). انتهت الفقرات التي استدعيناها من المقال السابق. من الناحية القانونية الصرفة نجد انه لايحق لرئيس الجمهورية نزع الجنسية عن الجنوبيين وخاصة المتحصلين عليها بالميلاد، إذ حددت المادة (10) من قانون الجنسية السوداني سلطات الرئيس في إسقاط الجنسية في حالتين فقط، إذا كان الشخص نفسه قدم طلبا لإسقاطها عنه أو التحق في خدمة دولة اجنبية مخالفاً قانون وطني يجرم ذلك، فيما تسقط الجنسية عن الحاصلين عليها بالتجنس اذا نالوها بطريق الغش او اذا عاون المتجنس دولة معادية للبلد وفي حالة حرب، على انه وفي كل الأحوال يخطر الشخص باسباب اسقاط الجنسية عنه ويعلم بامكانية طلب احالة الامر الى لجنة تحقيق، ولكن نتجاوز الناحية الشكلية والإجرائية، فالناس في هذا البلد لايحفلون بالقانون ولكن من الناحية الموضوعية ماهى جدوى هذه الاجراءات التي تنوي حكومة البشير اتباعها مابعد التاسع من يونيو، أليست المصلحة الوطنية العليا توجب ان يعمل الطرفان على انجاز الانفصال بطريقة سلسة، رغم مرارته، والعمل على خلق علاقات اخوية مستدامة قائمة على الاحترام والتسامح وارث التساكن المشترك والمصالح المتبادلة لابقاء وتعزيز فرص ان يتوحد السودان يوما ما بعد (كنس) اسباب الانفصال، وقد سبق لرئيس حكومة الجنوب ان اتخذ موقفا قويا ومسئولا عندما دعا لاحترام وجود الشماليين في الجنوب وقال بحزم ان أي اعتداء عليهم او على ممتلكاتهم يشكل جريمة لن يتساهل إزاءها، بنفس هذه الروح كنا نتوقع التزاما مماثلا من رئيس الجمهورية، لكنه للأسف اختار ان يبدأ العلاقة مع شعب الجنوب بالحصار ومحاولات التجويع تمهيدا (لحملات الكشة). إن ما أقدم عليه البشير مضر حتى بمستقبل الشمال ويمثل انتكاسة كبرى، وتبعا لذلك فاننا نجدد دعوتنا السابقة للكيانات الاهلية في الشمال والمثقفين لقيادة حملة للتبرؤ من نوايا وافعال المؤتمر الوطني تجاه الجنوب الشعبي والسياسي ، وفي نفس الوقت ندعو لعلاقات حميمة والتمسك بمواطنة الجنوبيين بالشمال وتأكيد انهم لن يصبحوا (اجانب) في يوم من الأيام، إن إبداء الشعور الشعبي الحقيقي سيتجاوز الموقف الحكومي الذي لا يمثل الا نظام البشير المعزول داخليا وخارجيا.