تراسيم.. البنسلين يا تمرجي !! عبد الباقي الظافر مساء أمس الأول وقف على منضدة إحدى الصيدليات بالخرطوم بحري رجلان ..أما أحدهما فقد عمل في خدمة الجيش لأكثر من ثلاث عقود ثم ترجل من العمل في رتبة اللواء.. وأما الأخر فقد عرفته الخرطوم قاضياً يزن بالقسط حتى تقاعد بدرجة قاضي محكمة استئناف.. الصديقان وجدا بين ليلة وضحاها أن علاجهما الراتب قد تضاعف سعره لعدة مرات.. الجنرال سحب الوصفة الطبية غاضباً.. فيما هتف القاضي بتغيير النظام. مدير شركة طبية يحكي معاناته في تجارة الدواء.. بعد عدد من الاتصالات ظفر الرجل بتوكيل لمستحضر طبي يصنع في أسبانيا.. صنع الرجل كل ذلك من مكتبه بالخرطوم.. إدارة الصيدلة المعنية بمراقبة الأدوية طلبت رؤية المصنع مرأى العين.. كتب على الوكيل المنتظر أن يوفر تذاكر درجة أولى لثلاث من منتسبيها.. مع الإقامة في فندق خمسة نجوم ونثريات جيب بمعدل محترم.. الموظفين أصحاب الحظ السعيد سافروا إلى ذلك البلد.. أقصر زيارة كانت للمصنع المعني.. ثم عادوا محملين بالذكريات المدهشة والهدايا للأهل والأحباب. الأسبوع الماضي رفض البرلمان تبرير وزير الصحة بالنيابة حول ارتفاع أسعار الدواء.. الوزير رد الأمر إلى ضعف الرقابة وارتفاع الرسوم والضرائب الجمركية.. وقبل أشهر معلومات كان هنالك جدال كثيف حول خصخصة الإمدادات الطبية.. انتهى الأمر ببقاء الإمدادات الطبية الحكومية رغم أنف سياسة تحرير الاقتصاد السوداني.. فيما سيتم اليوم تحديد تسعيرة للدواء عبر مجلس الوزراء الموقر. المشكلة في ارتفاع أسعار الدواء هي الحكومة ذات نفسها.. إذا غابت حكومتنا عن المشهد الدوائي ستكون النتيجة أفضل.. الحكومة تفرض ضرائب عالية ورسوماً جمركية على الدواء.. من ناحية أخرى الحكومة تكبل هذا القطاع بقيود تحد من حركته.. بيروقراطية تمنع دخول دواء تمت إجازته في دول تهتم بالرعاية الصحية.. معاملها أفضل من معاملنا.. تسجيل دواء في السودان يستدعي تكوين وفد رسمي يحل بأفخم الفنادق.. ترخيص إنشاء صيدلية لا يمنح إلا لطبيب صيدلي.. صاحب الترخيص ينال رسماً شهرياً يقارب إيجار المتجر. الحكومة تدرك أن هذه التجارة تبيض ذهباً.. أكبر سلسلة صيدلانيات في السودان استثمار عسكري.. لن تقترب ذات المؤسسات الاستثمارية الحكومية من قطاع قطع الغيار.. المنافسة في هذا القطاع عالية جداً.. هامش الأرباح محدود، لذلك الأسعار تبدو معقولة مقارنة بقطاع الدواء. خارطة الطريق واضحة .. على الحكومة أن تسمح بدخول الدواء دون رسوم جمركية أو ضرائب.. تمنح المستثمرين في هذا المجال تسهيلات مصرفية.. تقلل من القيود المهنية التي جعلت الشركات المحدودة تمارس احتكار القلة. من غير المقبول أن تتاجر الدولة في معاناة المواطنين. التيار