الجوكية.. هل من عودة؟؟ الصادق المهدي الشريف [email protected] أصدر بنك السودان المركزي في خلال الإسبوع المنصرم لآئحة جديدة لعمليات الرهن العقاري بغرض التمويل. وصدور اللائحة قبل بضعة ايام من إنفصال جنوب السودان يعني أنّ البنك المركزي قد اصبح مطمئناً على أوضاع المصارف بعد أن مرَّت العلاقة بينهم بتوترات أدت في نهاية الأمر الى إحكام المركزي لقبضته على المصارف بصرامة. المشكلة الأساسية كانت هي التمويل بالضمان العقاري، والمعلوم أنّ التمويل – حسب منشور البنك المركزي - لا يتمّ إلا وفق ثلاثة أنواع من الرهون. أولها – دون ترتيب – هو الوديعة الإستثمارية، فإذا كان طالب التمويل يملك وديعة إستثمارية بأحد المصارف، يمكنه الحصول على تمويل ولو من مصرف آخر بضمان تلك الوديعة. والثاني هو شهادات شهامة، فلو إمتلكت أحد الشركات او الأفراد شهادة شهامة موثقة (لأنّ السوق به شهادات ضاربة) بأجلٍ محدد، يمكن الحصول بضمانها على التمويل. الثالث – وهو أسُّ المشكلة – هو الضمان العقاري، وقد حدث تلاعب في هذا النوع من الضمان، بعضه من جهات التقييم، وبعضه من موظفين داخل البنوك، وبعضه تمّ بشهادات بحث مزورة..!!!.. والمُضحك المُبكي أنَّ 80% من طلبات التمويل تتم بضمان عقاري. لهذا أمسك البنك المركزي بملف (التمويل العقاري) وصار هو الذي يصادق على طلبات التمويل برهن عقاري، وأصبحت المصارف لا تملك سوى تحويل الأوراق للبنك المركزي ليقوم بكلّ العمل الفني. إمساك بنك السودان بملف التمويل العقاري كان أمراً لا مناص منه في تلك الفترة، لأنّ أموالاً ضخمة قد خرجت من المصارف بشهادات مزوَّرة وتقييم عقاري مبالغٌ فيه. وتلك الأموال – بالضرورة هي أموال المودعين - والبنك المركزي هو الضامن لها، وإذا فشل المصرف في سدادها.. لا عذر.. وعلى البنك المركزي سدادها. لكن المصارف هي (دكاكين لبيع المال) والإستفادة من ذلك البيع في تعظيم أرباح المساهمين والمودعين.. وإذا اسرف البنك المركزي في تقييد حركة البنوك في بيع المال (التمويل) فإنّ الضرر الأول سيقع على عاتق المودعين.. وهو ليس ضرراً مباشراً.. بل (تفويت) الفرص عليهم بزيادة ارباحهم. وفي الحالتين (المودِع ضائع).. فإذا أكثر البنك المركزي في وضع القيود فوَّت الفرصة عليه في تعظيم الأرباح، وإذا أرخي اللجام، تلاعب الموظفون والمُقيِّمون بأمواله. لهذا فإنّ المعادلة بين تشديد القيود وإرخائها هي معادلة دقيقة... صراط إقتصادي مستقيم.. يجب أن يمضي فيه البنك المركزي بحذر. والمنشور الجديد للبنك لم يحدد الأسباب التي دعته لفك اللجام للمصارف.. وفي هذه الفترة الحرجة (سياسياً وإقتصادياً) من تاريخ السودان!!!.. لهذا يحيط الغموض بالقرار. لكنّه على أقلّ تقدير حدَّد شركات بعينها لتقوم بعمليات التقييم.. بل وإلتفت الى تلك الشركات ووضع لها أسس التقييم. نتمنى (وسماء الأمنيات واسعة) أن يكون البنك المركزي قد أفرغ المصارف من ضعاف النفوس (أو أوقد الخوف في قلوبهم) حتى لا نسمع مرةً أخرى ب(جوكية) يهبرون أموال المودعين. صحيفة التيار