مما لاشك فيه أن البنك المركزي يواجه تحديات عصيبة هذه الايام في اطار محاولاته المستمرة لكبح جماح ارتفاع سعر صرف الدولار في مواجهة الجنيه السوداني في زمن الحرب ، ولن ننسى ان البنك المركزي ظل يقاتل ايضاً في زمن السلم بهدف توفير العملات الصعبة لخدمة الاقتصاد الوطني وليغطي حاجة العديد من المواطنين السودانيين الذين تقتضي ظروفهم التسفار سواء من اجل العلاج او اي اهداف نبيلة اخرى ...ورغم الاخطاء الكبيرة التي لازمت عملية التعامل غير المدروس مع الاجسام غير المصرفية المتعاملة في النقد الاجنبي بالاضافة الى توفير خطابات الضمان للعديد من الجهات الخارجية بصورة اثبتت انها متعجلة ولا تخدم البلاد ، رغم تلك الاخطاء الا انه ومن الواضح ان اتجاهاً راشداً برز مؤخراً لضبط وترشيد عملية منح النقد الاجنبي للصرافات وللشركات الخاصة والشركات شبه الحكومية التي سبق وان راجت حولها شبهات عديدة حول طرائق حصولها على خطابات الضمان والاعتمادات كما ان البنك بدأ على ما يبدو خطة محكمة لضبط الأداء العام للمصارف واعادة التوازن للعمليات المصرفية بحيث تتوافق مع الثوابت في العمل المصرفي ومحاربة النهج المعوج وجرائم الجهاز المصرفي المتعددة والتي تضر باقتصاد البلاد المنهك كما اننا نأمل في قيام البنك المركزي بالعودة الى نهجه القديم في التعامل مع المواطنين السودانيين الراغبين في الحصول على النقد الاجنبي بدلاً من إيكال هذه المهمة الى الصرافات ، لقد كان للبنك المركزي فرع رئيسي في مطار الخرطوم يمنح المسافرين ما يلزمهم من نقد اجنبي وفق ضوابط يعرفها البنك جيداً فلماذا الاستعاضة عن تلك الضوابط بالصرافات ؟ انه سؤال كبير يجب ان يناقش بشفافية قبل ان يترك المواطن المسكين ليكتشف بنفسه الغرض من ذلك النهج. ان خطوة البنك الاخيرة تجاه زيادة النسبة على الودائع غير الادخارية لدى البنوك يؤكد ان الاتجاه الراشد بدأ يؤتي اكله وان قاعدة ( خذ من اموالهم صدقة تزكيهم وتطهرهم بها ) هي قاعدة قرآنية صميمة تخدم مسألة (تخسيس حسابات المتضخمين) سواء أولئك الذين تضخمت حساباتهم بطريقة سليمة او غير سليمة بيد اننا نشير الى ضرورة متابعة كافة الحسابات ومراقبة ومراجعة العمليات الاستثمارية ( المضروبة ) ونعني بها تلك الاموال المليارية التي منحتها بعض البنوك والمصارف لافراد ورجال اعمال وشركات صغيرة تحت غطاء تمويل تشييد عقارات هي في الاصل اراضٍ حكومية تم تخصيصها بطرق ملتوية ، ان مراجعة عمليات المرابحات والشراكات والرهن العقاري المريبة ستكشف للبنك المركزي وللجهات الناشطة في جمع المعلومات عن حجم الفساد في الاراضي، مليارات الجنيهات التي اطلت برؤوسها على وجوه العديد من المفسدين وبالتالي يمكن بالتنسيق مع الشرفاء في الجهاز المصرفي استرداد هذه الاموال باعتبارها اموالاً تمت المصادقة عليها من قبل ادارات الاستثمار بالبنوك بطرائق ملتوية . سنضرب لذلك مثلاً حينما تقوم مؤسسة تعليمية خاصة بالدفع بأوراق قطعة ارض ( مميزة ) للبنك لتمويل عمليات تشييد نظير ارباح معينة فيقوم البنك بالموافقة على إقراض تلك المؤسسة مليارات من الجنيهات تحت ستار الرهن العقاري او المشاركة في ارباح المؤسسة بعد اكتمال العملية ثم فجأة وبعد ذهاب المليارات مع الريح او توجيهها في اغراض اخرى يكتشف الجميع ان قطعة الارض ليست ملكاً للجهة التي قدمتها للبنك او انها قطعة ارض حكومية تم تخصيصها بطريقة خاطئة بحيث لا يمكن اعتمادها كرهن عقاري...السؤال هو كيف يمكن للبنك ان يسترد مثل هذه المليارات ؟ وكيف فات على الاداريين المصرفيين اكتشاف ألاعيب المتلاعبين باوراق الاراضي ؟ وما علاقة مثل هذه الجرائم بما اكتشفته مباحث الاراضي مؤخراً لفضيحة التغول على اكثر من ألفي قطعة ارض سكنية بولاية الخرطوم بطرائق ملتوية او باوراق مزورة ثم استخدامها في العمليات الاستثمارية المصرفية ؟ ان مافيا الاراضي استطاعت ان تقوم بعمليات غسيل اموال واسعة مع العديد من البنوك تحت ستار الرهن العقاري او تمويل تشييد عقارات ومن واجب بنك السودان ان يزيد النسبة على كافة الودائع غير الادخارية وان يحقق في المقام الاول في عمليات الغسيل لانها اضرت بموقف البلاد الاقتصادي .