[email protected] السياسة التي انتهجتها البرازيل مع الأمريكيين عند دخول أراضيها ما تزال من أبلغ سوابق المعاملة بالمثل في تقاليد المجتمع الدولي، فالأمريكي – الذي فرضت بلاده تصوير القادمين إليها وأخذ بصماتهم في المطارات – تم التعامل معه بذات السياسة التي تطبقها بلاده والحشاش يملا شبكتو ..! قد يقول قائل إن ترتيب البرازيل هو العاشر في قائمة الدخل السنوي لدول العالم، وبالتالي فهي تقدل فوق عديلها! .. ولكن نقول إن مبدأ المعاملة بالمثل هو في نهاية الأمر – من اسمه - مسألة (مبدأ)، وهو السبيل الوحيد الذي يحفظ هيبة الدولة وسيادتها ويصون كرامة مواطنيها في طرقات وأزقة هذا العالم القاسي ..! وكم يروق لي في هذا المقام أن أذكر تطبيق ذات المبدأ بين دولتين جارتين أقل ما يقال عنهما أنه لا مقارنة بين حجم القوة الاقتصادية ومقدار الحظوة السياسية لكل منهما عند الأمريكان سادة العالم الجدد .. هاتان الدولتان هما السعودية (التي تتصدر قائمة الدول المنتجة للنفط، والتي تضاعف إنتاجها الوطني أكثر من ثلاثة وثلاثين مرة في أقل من ثلاثين عام) وسوريا (الدولة النامية التي تصنف في المركز السابع والتسعين عالمياً والثاني عشر عربياً من حيث جودة الحياة والسابع بعد المائة من حيث التطور البشري)، ومع اتساع الهوة في القوة الاقتصادية والحظوة السياسية تم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل بينهما في فرض الرسوم على دخول الحدود المشتركة ..! بينما في موقف مشابه تماماً فتح السودان حدوده وجيوبه وفرص العمل والاستثمار فيه على مصراعيها لأي مواطن مصري قد تحدثه نفسه يوماً بزيارة السودان، بموجب اتفاقية الحريات الأربعة المطبقة من جانبه فقط، مع استمرار معاناة مواطنيه المقيمين في مصر منذ عشرات السنين بسبب رفض الحكومة المصرية تطبيق ذات المبدأ ..! والآن ماذا ؟! .. المزيد والمزيد من افتراض قبول مبدأ (عدم المعاملة بالمثل)، حتى بلغ التهاون حدود الاستهانة، قالت بعض الصحف إن المنتخب السوداني الأوليمبي وصل مطار القاهرة لخوض مباراة الإياب مع المنتخب المصري، فلم يجد أفراد البعثة مسئولاً مصرياً واحداً ولا حتى – غير مسئول – في استقبالهم كما جرى العرف في مثل هذا المقام .. ولا حتى نملة واحدة مصابة بداء المفاصل تتوكأ الضجر بانتظار فريق منتخب الفناء الخلفي ..! بينما حظي – ويحظى على الدوام – أي مصري بالحفاوة والاحترام في كل المحافل والمواقف المماثلة وغير المماثلة، حفاوة تبلغ حد الكبكبة والابتهال إلى الله (أن لا تموع زبيدة) ..! ليس صحيحاً أبداً أن سياسة المعاملة بالمثل ينبغي أن تخضع لتوازن القوى ولاعتبارات ما خفي من الصفقات الدبلوماسية، طالما أن الإحراج شعور دولي وطالما أن الاهانة سلوك دولي .. تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل هو أول خطوات طريق التكافؤ الدولي، ومعلوم أن تكافؤ المقامات شيء وأن توازن القوى شأن آخر ..! من يهن يسهل الهوان عليه .. لا بد من ثورة تطيح بالمقررات القديمة في سياستنا الخارجية، حتى لا تظل بلادنا معزولة في معظم المحافل مثل شاة سوداء يعرض عنها سائر القطيع ..! عن صحيفة التيار منى أبو زيد [email protected]