بشفافية «وزير المالية يلقى العضم في الكرشة» حيدر المكاشفي أصدقكم القول... لقد شعرت بشئ من التعاطف مع السيد وزير المالية علي محمود، وهو يقع للمرة الثانية وفي مدة وجيزة في قبضة الصحافة، إذ لم يكد الوزير يخرج من كبوة العقد الخرافي لمدير سوق الأوراق المالية التي أثارتها صحيفة السوداني، إذا بصحيفة الوطن تخرج عليه ب«كفوة» أخرى وهي علاج ابنه على نفقة الدولة بطريقة متجاوزة ومتعدية وخارقة للوائح والاجراءات الضابطة لعلاج الدستوريين وأسرهم بالخارج بل وقافزة أيضاً فوق حواجز التراتيبية الادارية المفترض اتباعها خطوة خطوة في مثل هذه الحالات، فقد بدا لي حال الوزير وهو يواجه الاتهامات والشنشنات واللمزات من ذوات «الادلة» وحيداً دون غيره ممن لم تعثر لهم الصحافة على أثر أو دليل من النافذين والمتنفذين الذين ربما يكون ما قارفوه واغترفوه من المال العام لا يقارن بالذي أخذ على هذا الوزير، بدا لي حاله هذا مثل حال شقي الحال الذي عناه المثل «شقي الحال يلقي العضم في الكرشة أو الكبدة» وفي رواية «سيئ الحظ ينبحن عليهو كلاب السوق» وفي رواية أخرى «قليل البخت يعضي الكلب في المولد»، وهذه درجة من التعس وسوء الحظ يستحق من يبلغها الرثاء والشفقة أكثر من أي شئ آخر، وكان هذا سبب تعاطفي مع الوزير لوقوعه المتكرر وحده فيما لم يقع فيه غيره من أهل السلطة والقرار، وهذا غريب غرابة أن يعثر أحد على عظم «في الكرشة أو الكبدة أو ذاك الذي تنبحه كلاب السوق دون سواه من البائعين والمشترين والجائلين أو الذي يهجم عليه كلب ويختاره من بين المئات الذين يرجحون مع ايقاع النوبات والذين يتحلقون حول موائد «الفتة» والذين يبحلقون في عرائس المولد فيشق هذا الكلب كل هذه الجموع ويتفاداها ويتجاوزها ليعض هذا الشقي الذي تدهمه المصائب حتى من عضو من أعضاء جسمه كما يقول أحد الأمثال التي لا يمكن أن تقال إلا على لسان حسنة بت محمود كما في رواية موسم الهجرة إلى الشمال لمبدعنا الطيب صالح عطر الله ثرى قبره.... إن حكاية وزير المالية تشبه حد التطابق حكاية «المجانين كتار ولكن شقى الحال يقع في القيد» ونضيف «في خشم الصحافة»، فان لا يقع حتى الآن سوى وزير المالية لتصطاده الصحافة فذلك ما تنطبق عليه حكاية المجانين كتار ولكن شقي الحال هو من يقع في القيد التي لا نعلم حكايتها ولكن للصحافة نحكي في تلخيص غير مخل رواية نهر الجنون التي كتبها توفيق الحكيم... كتب توفيق الحكيم راوياً عن كيف انفجر نبع ماء في المدينة أصيب كل مَنْ شرب منه بالجنون، وبدأ المجانين يتحدثون بلغة لا يفهمها العقلاء الذين انعزلوا بدورهم ولكن الداء بدأ يتخطفهم واحداً بعد الآخر، حتى جاء اليوم الذي استيقظ فيه السلطان وإذا بالسلطانة قد شربت من النبع وجُنت.. فاستعان السلطان بالطبيب وكبير الكهنة فوجد أنهم قد جنوا.. فنادى حاشيته فأخبره وزيره أن الجنون قد نالهم أيضاً!! هنا التفت السلطان لوزيره متسائلاً (ما هذا المصاب.. مَنْ بقي في هذه المدينة لم يجن؟). فرد عليه الوزير بأسى ( لم يبق في المدينة إلا أنا وأنت يا مولاي وشرذمة قليلة.. والمشكلة أن المجانين يدعون أنهم العقلاء ونحن المجانين؛ وهم الغالبية يا مولاي.. وهم من يرسم الحد الفاصل بين العقل والجنون). وهنا قال الملك ( أغدق عليَّ إذن بكأس من نبع الجنون يا وزيري. فمن الجنون أن تظل عاقلاً في دنيا المجانين.). !! الصحافة