زمان مثل هذا الإسلام.. وضرر التجريب (2) الصادق الشريف لئن كان قدر الجغرافيا أن يكون الانحدار من الجنوب إلى الشمال.. من جنوب السودان إلى شمال مصر.. ذلك الانحدار الذي يجعل نهر النيل يسرع الخطى نحو مصر المؤمنة (بالله وعينه التي لا تنام)..!!. لئن كان ذلك كذلك.. فإنّ قدر التاريخ أن يكون انحداره عكسياً.. من الشمال نحو الجنوب.. فمنذ عهد السودان المُستعمَر وإلى التاريخ القريب في العهود الوطنية.. كانت مصر هي التي تدفع إلينا بعوامل صناعة التاريخ بشقيه السالب والموجب، وكانت الأفكار السياسية تتوالد في مصر وتنشأ وتترعرع في السودان. ولم يحدث أن تحرك التاريخ مع مسار النيل إلا في أوقاتٍ نادرة تؤكد ما ذهبنا إليه.. وأشهرها حملة بعانخي الغاضبة لإهانة المصريين للخيول. الدكتور الترابي قال إنّه سينقل تجربة الحكم الإسلامي في السودان إلى مصر التي يزورها هذه الأيام.. والسؤال الذي يعنّ ههنا هو: ما هي التجربة/ النموذج التي سينقلها إلى أهل مصر؟. الترابي الآن معارض شرس للنظام الذي خطط ودبَّر للمجيئ به.. والتجربة بالنسبة له تنقسم إلى حقبتين، حقبة العشرية الأولى (1989م – 1999م) هي التي كان فيها حاكماً من وراء الستار. والتجربة الثانية بدأت بعد ذلك وانتهت عشريتها الأولى في 2009م.. (واللهُ وحده يعلم كم عشرية سوف تستمر).. ولم يكن الترابي في طاقم الحكم.. ليس عن زُهدٍ.. ولكنّها الدُنيا (علّاية ووطاية).. أو بالتعبير القرآني (خافضةٌ رافعة). ولا أدري أيُ الحقبتين سوف ينقلها زعيم الحركة الإسلامية السودانية إلى (إخوة الإسلام) في مصر؟ هل سينقل تجربة العشرية الأولى؟.. أم الثانية؟. فالتجربة الأولى كانت مليئة ب(الظلم).. حدثت فيها مذابح الأرزاق الجماعية فيما سميَّ ب(الصالح العام).. وإباحة الدماء بتبريرات لا معقولة (العملة – الانقلابات... الخ).. وشابها التعذيب حدّ الموت في بيوت الأشباح وغيرها.. وليس فيها ما يدعو للفخر. والفترة الثانية كانت مليئة ب(الذرائعية/ البراغماتية) وهي كلمة تناقض (المبدئية).. ففي أيِّ مجال أصبح الإسلاميون على استعداد للتخلي عن الجانب المبدئي للحصول على فوائد (محسوسة). وأكبر دليل على ذلك هو تعاونهم مع الأمريكان لتوريط إخوة الأمس من الإسلاميين فيما يسمى التعاون في مشروع (الحرب ضد الإرهاب).. وقضايا القروض الربوية. أخطر ما في د.الترابي هو اعتقاده أنّ العالم مازال بحاجة إليه.. بعد فشله – فشل العالم - في التواصل والتعامل مع الحركات الإسلامية العالمية. وأخاف - وفق اعتقاده هذا - أن ينساق وراء تزوير التاريخ.. والنظر إليه بعين الرضى.. لا بعين النقد. لكنّ المطمئن في الأمر أنّ التجربة كلها كانت تحت سمع وبصر العالم وقنواته الفضائية.. وليس فيها ما يمكن دسُّه عن العيون والعقول. لكن لو نجح الترابي في إقناع المصريين بتبني النموذج الإسلامي للحكم في السودان.. فسوف يغير قليلاً من واقعنا البائس.. كمنطقة (ضغط تاريخي منخفض).. وسيشرب المصريون (التجربة) كما نشرب ماء النيل هذه الأيام. التيار