جمع السادن " البائن " ، وهو يحتضر ، مريديه وتلاميذه المخلصين ، السماسرة والتماسيح وأشباههم لسماع الوصية الأخيرة المهمة والخطيرة والتي بدونها لا (يستقيم ) النهج الطفيلي . ولما اجتمعوا في بيته الكائن بضاحية كذا ، وترقرقت دموعهم لفراق " شيخهم " الوشيك قال لهم لا تحزنوا ، فبفضلكم صار الدولار عملة عالمية . ولما ظنوه يهطرق شرح لهم حال الجنيه السوداني حتي 1978 عندما كان يساوي 3 دولارات ، وكيف أن وزنه في البورصات العالمية كان ذهباً ، إلي أن اكتشف (هو شخصياً ) مصطلح التعويم وسوق برندات شارع الجمهورية والمقولة المشهورة " دولار ريال شيك سياحي " فهوي الجنيه إلي القاع وصعد الدولار إلي القمة . وبأصابعه المرتعشة فتح السادن شنطة قديمة كانت قربه واستخرج منها شهادة شكر وعرفان من المحفل الماسوني بالقارات الخمس تشكره علي وفائه للدولار وتمنحه لقب " السمسار البار " . ثم نادي السادن المحتضر ابنه الأكبر لقراءة الوصية التي جاء من أجلها السدنة والتنابلة من كل حدب وصوب . كانت الوصية عبارة عن جملة واحدة تقول " عليكم بالذهب الأبيض " جواً وبراً وبحراً ، فلما التفتوا إليه مستغربين كان قد أسلم الروح . قالوا لقد أصابته لوثة قبل موته فالذهب الأبيض ( القطن ) راح في ستين داهية بسبب قانون مشروع الجزيرة والشراكة الذكية واللجنة الفنية و" اخوان " بهية . ولكن سمساراً ذكيا " نط " وسط التنابلة قائلاً يا أغبياء لم يكن " الشيخ " يعني القطن بل السكر وهو ذهبنا الأبيض ومنبع ثروتنا ، قوموا إلي نهبكم يرحمكم الله . وانطلق السماسرة والمرابون في كل ناحية تسندهم القرارات السلطوية . ونقل السكر جواً من البرازيل إلي الدردنيل وبلاد تركب الفيل ، وبحراً إلي بورتسودان ومخازن " أم التيمان " وبراً من المصانع والمنابع إلي حيث " تنقنق " الضفادع . " الشوال " أبو خمسين كيلو صار خمسة من أبو عشرة كيلو وعشرة من أبو خمسة كيلو وفي كل كيلو جنيه ونص فايدة بعد خصم التكاليف والمنصرفات . ونقل آخرون السكر إلي دارفور وتشاد وامبدة كرور وباعوا الرطل القديم باتنين جنيه ونص ، وسادنات جلبن سكر البنجر بتصديقات المدعو عنتر . ويذهب محمد أحمد الغلبان إلي تاجر الجملة بحثاً عن السكر بالسعر الرسمي ، فيسمع الجملة المعهودة " تعال بكرة " . ويشتري آخرون السكر " باللفة " ومعناها تشتري معاهو صابون وزيت وشعيرية بما يعادل نصف مليون جنيه قديم . ومن مخزن إلي مخزن يتحول السكر الأبيض إلي دولار أخضر بفضل وصية المرحوم السادن البائن . سبعة مصانع والسكر ضايع علي حد قول صديقي الكاريكاتيرست مصدق مصطفي حسين ، أخبار " الضحية " إيه والكيلو ب 30 جنيه !! الميدان