أفق بعيد الغناء.. حظوظ فيصل محمد صالح [email protected] لماذا يلمع نجم مغنين معينين ويصلون لأعلى مراقي الشهرة والانتشار، ولماذا تخبو نجوم البعض ممن تظنهم في الصدارة! فإذا هم نسيا منسيا، أو على الأقل في الصفوف الخلفية؟ إياك أن تظن أن الإمكانيات والقدرات الشخصية للفنان هي السبب، وأن من يعلون هم الأفضل صوتا وأداءً وتطريبا، فعلى امتداد تاريخنا الغنائي لم يكن هذا هو المقياس الوحيد، ويكفي أن عبقري الغناء السوداني إبراهيم الكاشف لم يلق في حياته مثل التقدير والانتشار الذي يجده الآن، وهناك كثير من ممارسي فن الغناء في عصره ممن كانوا يحتلون الصدارة ويحظون بكل الانتباه والشهرة. في تاريخ الغناء المصري يتفق المؤرخون وخبراء الصوت والموسيقى أن الفنان الراحل عبد الحليم حافظ كان من أصحاب الأصوات المحدودة، لكنه استخدم أقصى ما لديه من طاقة صوتية، مع إمكانياته الأخرى في حسن الاختيار والتعامل مع الألحان والنصوص، ووجود مجموعة جيدة ورائعة من الأصدقاء المفيدين حوله، بالإضافة لما يسميه البعض الذكاء الاجتماعي، ليصبح أشهر مطربي العصر الحديث في مصر، وربما في تاريخ الغناء العربي كله. في وقتنا الحالي أظن أن لدينا عددا من الأصوات القوية وربما الكاملة والناضجة، وذات الإمكانيات الكبيرة، لكنها لم تجد مكانا في خريطة الغناء السوداني يتناسب مع إمكانياتها، وهي بالترتيب المعكوس: سيف الجامعة، أبوبكر سيد أحمد وعادل مسلم، بالإضافة لصوت كبير وقوي نادر يضره البقاء بعيدا عن مركز الإعلام ، وهو فنان الشرق محمد البدري. ربما يكون للبدري عذره، كونه مقيما في بورتسودان بعيدا عن أضواء العاصمة، بالإضافة إلى اعتقادي بأنه كسول ولا يدرك قيمة هذا الكنز الذي يتمتع به، فما بال الذين يقيمون بالعاصمة ويظهرون في منتدياتها وشاشاتها، ثم يكتفون بالغياب أو بالظهور الخجول. ولأني أظن ان سيف الجامعة وأبوبكر سيد أحمد يجدان شيئا من الانتشار، فساركز هنا على عادل مسلم، أكثرهم تعرضا للظلم والتغييب. نعرف عادل مسلم من بورتسودان، ونعرف أن بداياته كانت تحديا كبيرا له، إذ بدأ متأثرا بالفنان الكبير محمد الأمين، ودرب صوته على إمكانيته. وجاء عادل مسلم للعاصمة وقدم نفسه للإعلام، لكنه لم يجد المساحة التي يستحقها. استمعت لعادل مسلم مرات في بعض الأغنيات الكبيرة، نصا ولحنا وأداءً، وأظن أني لم أسمع أغنيات مثلها في الوقت القريب، إحداهما أغنيته التي جاء بها من بورتسودان \"وشوش\" والثانية ترحال \"على كيفك تفوت..على كيفك تعال، وأدخل براحات البيوت، في العتمة أو نصة نهار\" التي كتبها أزهري محمد علي، ولحنها صلاح إدريس. وعلى عكس ما قد يتخيل البعض، أظن أن ارتباط اللحن بصلاح إدريس أضر بالأغنية ولم يفدها. وقف الناس من ظاهرة صلاح إدريس الفنية في كومين كبيرين، أحدهما يهلل له في كل الأحوال، والآخر يحكم مسبقا، بدون استماع له، بأنه يكتب ويلحن \"بي قروشه\"، وأنه عديم الموهبة والقدرات. لكن لحن أغنية \"ترحال\" الذي تقدَّم به الأغنية الآن هو لحن كبير جدا، ومنوع، ومستوعب تماما للميلودي السوداني الذي رسخ في أسماعنا وأذهاننا عبر السنين. كم أتمنى أن تتاح لعادل مسلم الفرصة الكافية ليطل على الجمهور ويفجر طاقاته وإمكانياته الكبيرة، وليته يجد لحنا من موسيقيين كبار، من وردي ومحمد الأمين اللذين يضنان بألحانهما على الفنانين الشباب، بلا سبب معقول. الاخبار