بين سماحة أهل الأساطيل.. وجهل الجماعة المساطيل.. وأراء أخري.. محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] أذكر ..وللذكرى نفع في الزمان للانسان وقبل عدة سنوات..عرضت فضائيتنا الفاضلة والقومية طبعا..لقاءا مع أحد الشيوخ باعتباره طبيبا معالجا بالأيات القرآنية والطب النبوي..وهما بالطبع أهم مصادر العلاج الروحي وتلمس الحكمة النبوية الشريفة والمستشرفة لأفاق الحقيقة قبل اكتشاف العلم المعاصر لها بقرون.. دون جدال في بركتهما وتأثيرهما في الجوانب النفسية والعضوية للمؤمن المصاب.. بيد أن ما حيرني في تناقض ذلك الرجل أنه يبث علما وعملا يرى أن جهاز التلفزيون هو أقرب الطرق لتوصيله الي الناس وأيسر الوسائل التي تعّرف به ذاته كمتطوع يؤدي خدمة ابتغاء مرضاة الله أولا وأفادة الناس كما قال!.. ولكنه في ذات الوقت قال في أجابة علي سؤال عارض من مستضيفه.. أنه شخصيا لايملك جهاز تلفزيون في منزله درءا للشبهات.. ولعله استحي من المجاهرة بتحريم الأمر من اساسه..تجنبا لاحراج اصحاب المكان ولانه ضيفهم مع أنه في تلك اللحظة يتحدث من داخل الاستوديو المليء بادوات مختلفة من معدات التصوير و أشكال من رسومات الديكور و مظاهر اختلاط النساء بالرجال وخلافه مما يعتبره المنهج الذي يتبعه علي مايبدو من لهجته تلك رجسا من عمل الانسان! حيال ذلك المشهد حملت حزمة من الأسئلة التي ربطتها بحبال حيرتي الطويلة ..وذهبت لعالم جليل واستاذ في الفقه عرفته غير ممال لسلطان ولا متزلف لجاه أو مال ..بلغ في التحصيل العلمي شأوا عظيما فأصبح مرجعا في الاجتهاد المبني علي لغة العصر والذي يقدمه للناس في لبوس بسيط دون تعقيد لغوي أوتداخل مربك في مضمونه..ويستدل بالايات ويشرح مناسبات نزولها ويفسر اعجازها والمراجع التي يستند اليها في تكوين رأيه من السنة و كلام الجمهور في المواضع الصحيحة..دونما اقحام للتعجيز وانما اسهاما في اجلاء المعني وتقريب صورة المبني..! قال عن حكاية الشيخ والتلفاز..شارحا..و مشيرا الي كوب العصير الذي أفرغت محتواه في جوفي المتعطش للحقيقة.. اتري هذا الكوب ..قلت نعم .. ثم أردف ألم تشرب به سائلا طيبا حلالا..؟ قلت بلى.. قال طيب لو أن أحدا جاء وشرب به منكرا ! علي من تقع صفة المحرّم .. أعلى الكأس أم المنكر؟ قلت علي المنكر طبعا..! ضحك بوقار وهو يشد علي لحيته ونظر اليّ ..وهو يقول هكذا التلفاز .. وهكذا المعازف.. والغناء وكثير من الأمور التي لايجوز القطع بحرمتها جزافا ..الا بتفقد دواخل المقام .. وتمعن متون المقال..! ومضي يقول لي وأنا أمد السمع وأسجل.. فالذين يقفون عند محطات السالف من الأزمنة التي خلت بآجالها وأحوالها مابالهم لا يغادرون سياج التاريخ الذي مضي بأهله وزمانهم ومعطياته.. بينما أبقي المنفتحون المجددون باب الاجتهاد واسعا في استنباط الفوائد مفتوحا على حركة الزمان وتبدل المكان وتحرك عقلية الانسان أطرادا وليس عكسا في تفسير الأعجاز بلغة العصر ..علما وثقافة وافهاما وفهما .. دونما مساس بثوابت الايمان في محكم القران والصحيح المُسند غير الضعيف رواية وتحققا من سنة وأحاديث النبي الكريم..! ثم مضي يقول.. هناك مايسمي بالاداب العامة ..يحُمد لمن يتبعها تأسيا بحضارةالمسلك..بعضها وفقا لما كانت تؤدى والبعض الآخر نأخذ منه المدلول أو الروح.. قلت له .. أوضح لي أكثر..! أجاب.. النبي الكريم خشي علي الأمة من المشقة فلم يأمر بالسواك عند كل صلاة..ولكنه في أدب النبوة حض الناس علي نظافة الفم بل وأخذ الزينة عند الصلوات الجامعة .. فهل يعني ذلك أن يخرج الانسان مسواكه عند الاقامة ويحركه..ليقول أن تلك هي السنة؟بينما المقصود مختلف تماما.. طيب هل نكفّر من ترك ذلك أو استخدم يده اليسرى في تناول الطعام أو الشراب .. أو من دخل برجله اليمنى الي المرحاض سهوا أو اضطرارا أو حتي متعمدا؟ لم اكتفي بجلسة أو اثنتين مع الشيخ الذي يحتكم في رؤاه الي ألأخذ بأيسر الأقوال والأفعال .. فقد حملني فضولي الصحفي ..ولهفتي للمعرفة الي داره مرات أخرى من غير أن يضيق صدره بأسئلتي الحائرة؛وكان يحدثني عن التشيع وفرقه وزمره المختلفة ..حديثا طويلا يستند الي شواهد تاريخية ونصية..ليس هذا مقام سردها..ربما نتعرض له في مناسبة أخرى.. قال لي مرة..في سياق نبذه للتشدد.. أنا ..بعد أن حصلت علي الشهادة العالمية في الأزهر ..وقبل أن اعود لنيل المزيد من الدراسات العليا في أماكن أخري..عرجت للعمل فترة محدودة في المملكة العربية السعودية في مرحلة اتسمت بتحول سريع جدا في نمط الحياة العامة هناك وهي الفترة التي حكم فيها الراحل الملك فيصل.. اتدري ما المحرمات التي كانت تسود قبل تلك الحقبة ..كما حكي لنا السعوديون من زملائنا والمقيمين من العلماء.. لقد كانت القهوة ..لاعتقاد فقهاء ذلك الزمان انها مُسكرة يعاقب من يعاقرها ! وكذلك التصوير الفوتغرافي.. وركوب الدراجة ..والمساس باماكن الشعائر من حيث التوسعة والتزيين وأشياء كثيرة ضمتها قائمة طويلة تساقطت تباعا بفعل موجة الوعي التي انبسطت في عهد المغفور له فيصل الذي فتح المدارس لتعليم البنات وكانت خطا أحمر دون تجاوزه خرط القتاد.. ثم استطرد يقول..الان هل تستطيع دولة أن تلغي عزف السلام الوطني ! قلت ..لا أظن .. ضحك قائلا وبما يعزف ..أليس بالات ومعازف تطلب الأمرالواقع ضرورة وجودها حتي في تسخين همة الجنود وهم في ساحات الجهاد؟ وقال في نبرة هادئة .. نحن لانستخف بمنطق الذين يجادلوننا أو يختلفون معنا انطلاقا من منصة تمسكهم وتأسيهم بمنهج السلف الصالح لكن نقول لهم أن استجلاب كل ذلك واستيعابه في مواعين عصرنا الحاضر برمته صعب ..والأصعب العودة اليه بكل ما حمل من خصوصية الزمان والمكان للعيش في قوالبه التاريخية حرفيا.. ثم ضرب لي مثلا ذكيا.. أذ قال! تخيل انني عدت الي ذلك الزمان وتحدثت الي أهله بانني قادم من عصر نركب فيه مركبا ضخما يطير في الهواء ويقطع مابين صلاتي الظهر والعصر المسافة التي كانت تعبرها قوافل رحلة الشتاء والصيف في شهور تمخر بالجهد والعطش والتعب صحاري ومجاهل ومخاطر لاحدود لها! أو اقول لهم نحن في زماننا الذي اتيتكم منه .. نستطيع في بلاد اليمن والشام وبلاد الحبشة والفرس والروم والصين والهند والسند..أن نتابع في وقت واحد عبر صندوق سحري نسميه التلفاز فعاليات سوق عكاظ الشعرية علي الهواء مباشرة من مكةالمكرمة .. وبعده نشاهد الصلوات منقولة من الحرم المكي أو المدني! وسألني ماذا تتوقع ردهم ..؟ قلت طبعا سيقولون أن ذلك الذي يقول هذا به مس من الجن! ضحك شيخينا طويلا ثم قال مستدركا ..لالا ليس هكذا وحسب .. سيكون امامهم خياران ..أما انهم اهدروا دم محدثهم وهم معذورون في ذلك.. واما أنهم طلبوا منه أ ن يصطحبهم الي زمانه للتيقن .. والحديث مع الرجل الذي عاجلته المنية عليه الرحمة منذ سنوات .. ممتع ويظل محفورا في الذاكرة كأساس للمزيد من التحصيل المعرفي الذي لا يروي منه العقل ولا يفيض عنه ماعون.. بالأمس وتلك هي مناسبة ذلك المدخل الواسع الطويل المفعم بنشوة الذكريات و نفع المعلومة والرأي الذي قد يقنع به البعض ويرفضه اخرون ولكنه يظل منفذا لدخول المزيد من الأراء والاجتهادات.. فقد شاهدت الدكتور عصام أحمد البشير في لقاء عبر قناة النيل الأزرق أجراه معه وزير الثقافة الأستاذ السمؤال خلف الله.. لم يكتفي خلاله الدكتور عصام بالمنافحة عن دعوته للوسطيه فحسب بل دلل علي قناعاته واصراره بجرأة انشد خلالها مع ثنائي الصحوة ..هشام و اشرف المصحوبين بالموسيقي .. وانتصب هازا ومبشرا طربا لنشيد السفير التني.. في الفؤاد ترعاه العناية..! وهو ما شبهه السمؤال بحكاية أحد العلماء قديماالذي قطع الشك باليقين لحواريه حينما كان الجدال محتدما حول حرمة العسل ..فغمس سبابته في اناء السائل الحلو ثم تذوقها في متعة دون ان ينطق ببنت شفة ففهموا أن ذلك هو التحليل القاطع! رغم أن الدكتور عصام لم يشتط في الركون الي الأستخفاف بوجهة النظر المخالفة بتشدد لرأيه المسستر في جرأته تلك.. و انما استطرد مقرا بصحة مبدأ استمرار الجدل واختلاف الآجتهاد في الأمر باعتباره حقا للجميع! ولعله من الواضح أن الوزير السمؤال الذي توجه اليه اصابع الاتهام باتباع خط الانصرافيه بتوسيع رقعة الترويح في مرحلة يشحذ فيها فريق من العلماء السيوف ويعبأون الأقلام من دوايات المد السلفي المتنامي استعدادا لسودان الجمهورية الاسلامية الصافية عرقا عروبيا وطاهرة في عقيدتها من تأثير الأقليات الأخرى فقد أراد السمؤال أن يرمي بأسلحته في تلك المعمعة..باعادة وأحياء انتاج اعتدال وسطية الدكتور عصام ..التي بدأها منذ السنوات الأولي للانقاذ وهو بعيد عن باب السلطان من خلال الأجهزة الأعلامية و الصحف والمنابر في مواجهة التيارات التي كانت تسعي لكتم النفس الثقافي رسميا وشعبيا والذي كان سائدا في السودان منذ الأزل والتضييق من ممرات الفنون والأداب ومشاركة المراة في الحياة العامة لاسيما ابعادها عن الصورة الاعلامية أو تقييدها بالضوابط والكوابح المنفرة عن الحقل وهي مساعي وجدت من يساند تنطعها من داخل الأجهزة المعنية نفسها ابان تولي الطيب مصطفي ادارة الهيئة القومية للاذاعة المرئية.. ومن الواضح أن السمؤال قصد وبعد ان أصبح الدكتور عصام قريبا من مصادر وصناع القرار كخطيب من محراب المسجد الرئاسي وبصفته الأمين المساعد لاتحاد علماء الاسلام العالمي. أن يستثمر فقه الرجل وطلاوة لسانه ومقدرته علي التعبير و التفسير في اجتذاب الثقل لكفته المحاصرة بكفة تستمد ثقلها من تيارات تطلق لها سلطة الانقاذ الحبال علي غارب الاستقطاب..وهي بالقطع المستفيدة من انتشار الغبار في ملاعب المفاصلات الجدلية الفقهية واحتدامه.. لينشغل الفرقاء عن تحرك قطار سلطتها بهدوء علي قضيب الغفلة بمن فيه من ركاب ومتاع ويتركهم يمسكون بتلابيب بعضهم علي رصيف المحطة ويتجادلون حول من يركب أولا وكيف يصطحب معه مناهج القناعات الذاتية لفريقه سعيا لتسيد المرحلة.. فهل ينجح تيار التشدد الذي يتلمظ شوقا لجلد البطون التي لاظهور لاهلها وهو يمسك برأس سوط الدولة التي هيأ لها الرئيس البشير وقبل انفصال الجنوب بساطات الجلد الحدية و نطوع التقطيع في ميدان الشريعة الآنقاذية في نسختها الملونة بعد التأكد من عدم جدوي شريطها المدغمس بالأسود والأبيض !؟ أم سيستطيع الدكتور عصام وتياره وهو العالم المقرّب الذي تعرض لهجمات ارتدادية عقب أحداث جنوب كردفان الأخيرة متهما بالعزف علي الوتر الدموي الذي يطرب الرئيس ويرقصّه .. و هو الذي يعوّل عليه فريق السمؤال الواقف عند مرماه مدافعا عنه في وجه الريح في بقية عمر الأنقاذ الأيل للاحتضار بأن يقودها الشيخ عصام في منتصف الطريق الذي يتوسط منهج الحداثة التي وجدها استاذه الشيخ محمد عبده في اروبا ..فقال ذهبت الي بلاد الغرب فوجدت من لديهم الأساطيل .. وهم يرددون في سماحة ( صعّر خدك الأيسر لمن صفعك في الأيمن) وبالمقابل بعيدا عن المنهج الرجعي الذي ألفاه عند عودته الي بلاده مصر حيث وصفه بنهج المساطيل لدى علماء مابرحوا يراوحون عند...( واعدوا لهم ما استطعتم ) أو كما قال الدكتور عصام .. وهو ينعي تخلف المسلمين في عالمنا الثالث والذين علي حد تعبيره..من باعوا الدنيا للغرب ..ليشتروا بثمنها الآخرة..! وجمعة سعيدة وسامحونا علي الاسترسال ولكن، المبتغى هو تبادل الفائدة والمعرفة التي لاغني عنها ..أختلفنا أو اتفقنا .. ويظل الباب مشرعا لكل صاحب رأي .. والله المستعان .. وهو من وراء القصد..