إليكم الطاهر ساتي [email protected] موكب عند اللزوم ...ليس علاجا..!! ** قبل أشهر، في حوار أجرته صحيفتنا هذه، قال مدير عام الشرطة : الشرطة ليست مسؤولة عن منع أو منح الإذن بالمسيرة لأي حزب أو منظمة أو جماعة، إذ تلك سلطة سياسية ومسؤولية الوالي والمعتمد، ومهام الشرطة لاتتجاوز حماية المسيرة في حال موافقة السلطة الولائية أو تنفيذ أمر المنع في حال رفض تلك السلطة الولائية.. هكذا كانت إفادة مدير عام الشرطة، وهكذا أيضا ينص الدستور والقوانين الولائية والمحلية، ولذلك ما حدث بالبارحة يجب أن يكون خبرا من شاكلة : حكومة الخرطوم ترفض السماح بخروج موكب المعارضة الداعي للسلام والرافض للحرب..أي ساسة الحزب الحاكم هم الذين رفضوا موكب المعارضة وليست الشرطة، فالشرطة - كما الجيش- إحدى ضحايا الإستغلال السياسي غير الحميد.. !! ** و نفهم - ونتفهم - أن تكون لتلك الحكومة ، ولائية كانت أو إتحادية، تقديرها الأمني في موقف كهذا..وكذلك شئ طبيعي أن تحمي حكومة كهذه ذاتها والشارع السوداني من تأثير أحزاب المعارضة، وذلك بحظر أنشطة كهذه بحجة (الوضع الأمني بالبلاد لايستحمل)، هذا شئ طبيعي ومتوقع من أية حكومة شمولية ، بما فيها هذه..ولكن ما ليس طبيعيا هو أن موكب المعارضة الذي تم منعه يوم البارحة، حسب إفادات بعض زعماء قوى المعارضة، لم يكن ضد أمن البلاد ولا ضد سلام النيل الأزرق، بل كان موكبا داعيا لرفض الحرب وإعادة السلام بالنيل الأزرق.. ماحدث بجنوب كردفان، ومايحدث بالنيل الأزرق، لم يجدا غير الإستياء عند الشارع السوداني الذي تنفس الصعداء عقب إعلان ميلاد دولة جنوب السودان، بمظان أن ميلاد دولة جنوب السودان يعني ( وداعا للحرب وأهلا بالسلام)، أوهكذا كان - ولايزال - حلم الناس والبلد..!! ** ولذلك، بغض النظر عن البادئ بإطلاق الرصاصة الأولى، فالشارع السوداني العريض - عدا فئة ساذجة بالمعارضة وأخرى مهووسة بالحكومة- لم يعد يرحب بالعنف حين يتخذه بعض الساسة كوسيلة تعبير في سوح السياسة، وخاصة أن هذا البعض الذي يستخدم لغة العنف لايتأثر بآثاره..فالذي يتأثر هو المواطن الذي لاناقة له في الحزب الحاكم ولاجمل في الحزب المعارض..لقد مضى زمن الغفلة الذي كان فيه الناس يساقون - كما البعير - بالشعارات إلى المحارق والمسالخ، للجهاد في سبيل (المشروع الحضاري)،أو للنضال في سبيل (السودان الجديد)..هذه الشعارات لم تعد تجد آذانا صاغية في الشارع العريض، فالشارع صار يرفض العنف ( فعلا كان أو قولا)، وأيا كان مصدره ومهما كانت الدوافع ..وقوى المعارضة علمت ذلك وإنتبهت له، ولذلك أرادت أن تخاطب هذا الشارع العريض بشعار ( لا للحرب ونعم للسلام )..فلماذا تمنع الحكومة مبادرة كهذه ؟..ولماذا تحرم قوى المعارضة حق التعبير عن موقفها ؟.. سؤال يثير الشك والريبة في النفوس..ولا إجابة لي غير ( ربما تسعى الحكومة إلى تغطية إخفاقاتها السياسية والإقتصادية بمثل هذه المعارك العسكرية، بمظان توحيد الجبهة الداخلية).. نعم إن لم يكن خداع الناس وتخديرهم - بالحروبات - هدفا إستراتيجيا، فلماذا تصادر حرية الأحزاب وتحرمها حق التعبير الرافض للحرب والداعي للسلام..؟؟ ** ذاك شئ .. والشئ الأخر للأسف قوى المعارضة ذاتها ( مجوبكة) كما الحكومة..إذ هي ليست عاجزة منذ عقدين ونيف عن وضع خارطة طريق تؤدي إلى (الحلول الجذرية) فحسب، بل هي عاجزة حتى عن تشكيل (رؤية موحدة) في الأزمة الحالية..وليس خافيا على أحد بأن قوى بالمعارضة تدعم الموقف الحكومي المعلن بنزع سلاح الحركة الشعبية بالقوة العسكرية، أي بالسحق كما وصف الدكتور نافع على نافع، وكماتعلمون أيها الأفاضل ذاك سحق يسحق الوطن والمواطن، ولا يتأثر به نافع وأخوان نافع.. المهم هناك قوى بالمعارضة تدعم هذا الموقف الرسمي المتطرف، وما البيان الصادر عن حزب العدالة - وهو من قوى المعارضة - إلا نموذج يعكس بأن أجندة تلك القوى ليست على قلب (خطة أو مبادرة أو رؤية موحدة)..ثم هناك قوى داعمة للحركة الشعبية..وأمام إنقسام كهذا يصعب على المرء التكهن بأن قوى المعارضة قادرة على حل الأزمة، إذ أزمتها - هي في ذاتها - أعمق من أزمتي جنوب كردفان والنيل الأزرق..وعليه، أي بالمختصر المفيد : على الحكومة ألا ترفض نداءات السلام ومبادراته، خاصة حين يكون المبادر(سودانيا)، فالتجارب حبلى بأن الحكومة رفضت حزما من المبادرات المحلية في الكثير من الأزمات، ولكنها - في نهاية المطاف - وافقت على مبادرات أجنبية، و ملف النيل الأزرق وجنوب كردفان يجب ألا يمضي في ذات المسار، هذا ما لم يكن النهج الحاكم من مدمني ( المبادرات الأجنبية ) المحروسة ب (الجيوش الأجنبية )..ثم على قوى المعارضة أن توحد رؤاها حول المطلوب في هذه المرحلة، فالمطلوب ليس هو حل أزمة النيل الأزرق وجنوب كردفان فقط، بل حل أزمات البلد كلها، بحيث لاتكون الجمهورية الثانية - كما الأولى - جمهورية حرب وفقر ونزوح وفساد وإقصاء وإعتقالات..وبصراحة كدة : مؤسف جدا أن يصبح نشاط قوى المعارضة - كما تمارين منتخبنا القومى لكرة القدم - موسميا، ومعيب جدا أن تفشل كل مسيرات المعارضة ومواكبها باعذار من شاكلة (منعونا نطلع، البوليس حاصرنا، رفضوا يدونا الاذن )،هذه أعذار أقبح من ذنوب المنع والحصار والرفض..تحقيق النتائج السامية في منافسات الحرية والديمقراطية والعدالة والسلام، بحاجة الي عزيمة وتجانس وتمارين يومية، وليس ( تنافر ) وتمرين ( عند اللزوم) ..!! ........... نقلا عن السوداني