هل يأكل الإمام الفطيس والذبيحة آتيه؟!! تيسير حسن إدريس [email protected] هذا التَّسخيرُ مثيرٌ للدهْشَةِ !! فكلَّما اشتدتِ الأزمات وأطبقَتْ على خِناقِ المؤتمر الوطني ونظام الإنقاذ الحاكم، وضاقت بهما السبلُ، وأوشكت مركبهما المتهالكة على الغوص في بحر الظلم والظلمات، التي اقترفتها أيديهما طوال ربع قرن من الزمان، يَنْهَضُ الإمامُ الصادق مُشَمِّرا عن ساعدَيْهِ ليرْمِيَ لهما بطوقِ النَّجاةِ العاصمِ من الغرق، ويلعبَ بشخصيته وقامته السياسية المحورية -التي يكن لها شعب السودان كل الاحترام والتقدير بما فيهم أولئك الذين يختلفون مع سياساته وطريقته في الحكم- دَوْرَ جبلِ الجوديِّ؛ لترسوَ على متنه وما يطرحه من مبادرات، سُفُنُ (الإنقاذ) التي أرْهقَهَا الفشلُ وطولُ المسيرِ؛ لتلتقطَ أنفاسَهَا، وتستردَ بعضًا من قُوَاهَا الخائرة، ومِنْ ثَمَّ تنقض -دون خجل أَوْ وجل- غزلَ ما نسيجَ الإمامُ من مبادرات، وتفرد أشْرِعَتِها من جديدٍ، مبتعدةً عن شطِّ الأجندةِ الوطنية، مغردةً لأُنْشُودةِ مشروعِهَا الحضاري النَّشازِ بعد مرور العاصِفَةِ. وحينها فقط يكتشفُ الإمامُ خطلَ المحاولةِ، ويستيقظُ من فرط أحلامه الوردية، ونياته الحسنة، وأمانيه السندسية، ليجدَ القومَ قد نقضوا العهدَ من بعد ميثاقٍ، لتتكررَ تجاربُه المحزنة والمؤلمة، مع النظم الشمولية بصورة كربونية، بدواعٍ شتَّى، ظاهرُها وطنيٌّ، وجوهرُها يعلمه الله ثمُّ الإمامُ من بعد، هذا ما ظلَّ يتكررُ مع نظامِ الإنقاذِ الحاكم اليوم، وهو نفس ما حدث من قبل مع نظام مايو المقبور. إن الافتراض الحالم للسيد الصادق بإمكانية التفكيك الناعم لنظام شمولي عقائدي تَحكَّمَ للعقودٍ في مفاصل الدولة، ونخر مؤسساتها التي تقوم عليها أعمدة الحكم الرشيد، لدرجة صارت فيها تلك المؤسسات عبارة عن دوائر ملحقة بأجهزة حزبه، تأتمر بأمره، يقبض عليها ويتحكم فيها منسوبوه، حتَّى تحولت الدولة من دولة المواطنة لدولة الحزب، هو افتراضٌ غير واقعي، غارقٌ في الخيال، تدحضه سياساتُ النظام العنيفة، وشكل المخاشنة السياسية التي يتبعها مع كافة معارضيه؛ بل مع كافة مكونات المجتمع المطالبة بحقوقها، مما أدَّى لضياع ثلث الوطن بثرواته ومواطنيه، وأفرز هذا الواقع المأزوم المعاش اليوم، وأعطى الحق والذرائع الكافية لبقية أطراف البلاد ( دارفور وكردفان والنيل الأزرق) الحقَّ في أن تحذو نفس الحذو، وتثور بحمل السلاح، و امتلاك أدوات المخاشنة السياسية، باعتبار أن النظام الحاكم لا يعترفُ بلُغةٍ غيرها. لقد آن الأوان للإمام بعد كل هذه المسيرة الطويلة من العمل السياسي والتجارب النضالية أن يأخذَ وقفة جادة مع النفس ليتأمل فيما مضى من شوط قطع فيه الأنفاس راكضا خلف نظام الإنقاذ المنغلق والمتكور كالقنفذ حول ذاته ويفكر جادا في إنهاء هذا العرض الذي سئمته الجماهير وظل على الدوام خصما على تاريخه السياسي، فغليان الشارع الصامت بما فيه شباب الأنصار وحزب الأمة قد وصل حده الائتماني وباتت لحظة انفجاره العظيم في وجه النظام الحاكم وكافَّة قيادات المعارضة المتقاعسة وشيكا وغير محمود العواقب فالوضع الاقتصادي والمعيشي خانق والتدهور الاجتماعي والأخلاقي بلغ حدًا غير مسبوق تجاوز فيه إنسان السودان كلَّ الخطوط الحمراء وصارت قضايا مثل انتشار المخدرات والعلاقات الجنسية غير المشروعة في الجامعات والمدارس والأطفال مجهولي النسب تؤرق ضمير كل حادب أضف إلى ذلك الاحتقان الشديد وانغلاق أفاق الحل السياسي مما أدى لاندلاع حروب الهامش التي تنذر بتمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي وإهدار كرامة المواطن و وحدة الوطن. إن تجربة الإنقاذ في الحكم قد تطاولت وتراكمت أخطاؤها القاتلة والعصية على المعالجة والحل مما يصعب من مهمة أي قوى سياسة تفكر مجرد تفكير في المساعدة أو تحمل أعباء هذه المرحلة المترعة بالمهمات شبه المستحيلة فهل الإمام على استعداد في ظل هذا الوضع الكارثي أن يشارك المؤتمر الوطني تحمل أوزار هذه التجربة المثقلة بالآثام والخطايا؟!! وإذا افترضنا جدلا استعداده لخوض المغامرة، فهل يا ترى سيسمح له صقور النظام ممارسة مهامه الإصلاحية كما يريد ويرغب في إرساء أسس حكم ديمقراطي عادل ورشيد في ظل وجود الحزب الذي أضحى دولة داخل الدولة بما امتلك من قوة اقتصادية ضاربة امتصت من دم الشعب ويمكن تسخيرها لزعزعة وإفشال أي نظام حكم قادم يحاول إصلاح ما خربوه واسترداد ما نهبوا؟!!. الإجابة على هذا السؤال المحوري هو مربط الفرس، والمنطق والعقل لا يدعم هذا التوجه فمشاركة هذا النظام السلطة دون تفكيك مسبق لإمبراطوريته الاقتصادية والأمنية مخاطرة ومغامرة كبرى الرابح الوحيد فيها حزب المؤتمر الوطني الذي سيربح الوقت اللازم لاسترداد الأنفاس وترتيب الأوراق ريثما تنجلي العاصفة ويتمكن من نصب فخ جديد للقوى التي زاحمته في قضم الكيكة ويلتف عليها ويهشم مجاديفها فيسهل الانقلاب عليها وافتراسها بعدما تكون قد تعرت أمام جماهيرها وخاضت في وحل الفشل المزمن وغاصت حتى الركب في العقبات التي سيخلقها إخطبوط الاقتصاد الإنقاذي بشركاته الرمادية (الخنثى) التي فاق عددها الأربعمائة والتي لا يعلم كنه (جندرها) ذكر كانت أم أنثى (حكومية أم خاصة) والتي فضح حقيقة وجودها مؤخرا موقع ويكليكس. كل هذه التعقيدات وغيرها تجعل من أمر المشاركة في حكومة -في ظل هذا النظام المأزوم وبرلمانه الكسيح العاجز عن القيام بالدور الرقابي المطلوب لمولاته العمياء- معضلةً حقيقيةً أمام أي حزب أو زعيم سياسي، مهما كانت المغريات المقدمة، خاصَّةً إذا ما كان الحزب بحجم حزب الأمة، والزعيم بوزن وتجربة وتاريخ الإمام الصادق، ليعرض نفسَهُ وحزبَهُ في أواخر حياته السياسية ، المترعة بالديمقراطية والعدل وعفة اليد واللسان، لهذه التجربةِ الخاسرةِ؛ فيلوثُ بأدْرَانِها طهارةَ تاريخِهِ الممتد والعامر ، هذا إنْ حَدَثَ سيكونُ بحقٍّ سُوءَ الخاتمةِ السِّياسيةِ، فإيَّاكَ ... إِيَّاكَ يَا إِمَامُ أن تأكل (الفطيس) والذبيحة آتيه. تيسير حسن إدريس 12/09/2011م