المرسل خماسين الانتفاضة الشعبية!! تيسير حسن إدريس من الخطل أنْ يتوَهَّمَ دهاقنة نظام الإنقاذ أنَّه بالقبضة الحديدية، والحلول الأمنية، يمكنهم الاستمرار في حكم السودان وشعبه؛ هذا الشعب ذو التجربة السياسية الثَّرَّة، ومُبْدِعُ الانتفاضات والثَّورات الشعبيَّة، والتي لا يخفى آثارُوها فبعد اندلاع أول تجاربه الثورية في منتصف ستينيات القرن الماضي، هاهي شعوب المنطقة العربية اليوم من تونس إلي مصر، تعيها وتسيرُ على نهجها، لتحذو حذوه في صراعها ضد الطَّواغيت، والأنظمة الدكتاتورية، من أجل الحريَّةِ والدِّيمقراطيَّة، والعزَّةِ والكرامةِ. فمن المُسَلَّمِ به أَنَّ أنظمةَ الحكم تَسْتَمِدُّ مشروعيَّة بقائها مِنْ رِضا الأَغْلَبية الشَّعبية عن مشروعها الفكري، وبرنامجها السياسي ؛ الذي يجب أن يتنزل على الواقع، في شكل خطط ومشاريع للتنمية، وحلول لكافَّة المشاكل، والمعضلات الوطنية، وأنْ يكونَ الغرضُ والهدف الأساسيُّ من هذا البرنامج، إحْدَاثَ نقلةٍ نوعيَّةٍ محسوسةٍ في حياة المواطن البسيط، وليس زُمَرٌ من المنتفعين والانتهازيين المنسوبين إليه دون غيرهم، وهو ما فَشِلَ فيه نِظَام الإنقاذ الحاكم على مدار عقدين، وعلى العكس قد زاد وَحْلَ مشاكل البلاد بِلَّة، حتَّى وصل بنا الحالُ لانفصال ثلث الوطن، وَحَمَلَ بقيةُ أبنائه المهمَّشين السلاح، ممَّا ينذرُ بتشرذمه، وتفتُّتِهِ بالكامل، الشيءُ الذي يُثْبِتُ -ممَّا لا يدع مجالاً للشك- فشل مشروع نظام الإنقاذ الفكري والسياسي الذي أسموه (بالحضاري). لقد اعترفَ رأسُ النِّظام علنًا -في خطاباته وتصريحاته مؤخرا- بأنَّه بعد انفصال الجنوب سوف يشرع في إقامة (دولة الشريعة)، مما يفتح باب الحَيْرَة والتَّساؤل معًا، هل بعد مضي ربع قرن من الحكم -الذي مارس فيه نظامه كافة أنواع الظلم والموبقات متسترا تحت عباءة التهليل والتكبير- ما يزال في الأفق السياسي السوداني مساحة تَحْتَمِلُ الاستمرار في الخداع باسم الدين؟!! شيءٌ مؤْسِفٌ يثِيرُ السُّخْرِيَة المَرِيرَةَ، والحزْنَ العمِيقَ في النَّفْسِ، على مثل هذه العقول السادرة في غيها. هذا بلا شك يكشف ويوضح: أنَّ نظامَ الإنقاذ قد حكم البلاد والعباد، طوال الفترة الماضية، بالهُتَافِ والشِّعَار المخادع، دون وجود أساسٍ فكريٍّ، أو رؤى سياسية لنهجه المضلل، سوى الخديعة الكبرى باسم الدِّين، وتسخيره بزج الآيات الكريمة، والأحاديث النَّبويَّة الشَّريفة، في الخطاب السياسي؛ استدرارًا للعاطفة، وإثارةً لحَمِيَّةِ إنسانِ السُّودانِ البسيطِ، المُتَدَيِّنِ بالفطرة، من أجل تحقيق أهداف دنيويَّة دنيئة، لمجموعة من المنتفعين من منسوبيه، دون مراعاة لمصالح بقية أفراد الشعب والوطن. إنَّ مشروعَ تيار الإسلام السياسي -الذي يمثله نظام الإنقاذ في السودان- قَدْ سَقَطَ وَقَضَى نَحْبَهُ. رغم المكابرة، وإصرار البعض على التشبث بحباله الدَّائبة، ولم يَتَبَقَّ سِوَى تشيعه، مكلَّلاً باللعنات، لمثْوَاهُ الأَخِير، بعد أَنْ تكَشَّفَتِ الحَقائقُ، واكتملَتِ القناعاتُ، بضرورة إزالَتِهِ، وَبَدَأَتْ كُرَةُ لهب الانتفاضةِ الشَّعْبِية في التَّدحرجِ والاشتعالِ، وانطلاقة شرارتها الأولى باستشهاد الطالب بالجامعة الأهلية محمد عبد الرحمن، ممَّا يوضِّحُ أنَّ الجماهيرَ ، وفي طليعتها أجيال التغيير الشابة، قَدْ حَسَمَتْ أَمْرَهَا، وغدَتْ قضيةُ إزالة النِّظام الضَّالِّ مسألة وقْتٍ لا أكثر. إنَّ العاقلَ من اتَّعظَ بِغَيْرِهِ، والنَّصِيحةُ الأَخِيرَةُ لدهاقنة نظام الإنقاذ، والمكابرين بجهل من منسوبيه: أَنْ يتركوا عنهم إطلاق التصريحات المرتجفة؛ من تهديد ووعيد يرموا بثقل تفكيرهم اليوم ، وقبل فوات الأوان، لإيجاد طريقة سلمية ومشرفة لتفكيكه، تحفظ لهم بقية ماء وجههم، وتجنِّب الوطن عَنَتَ النِّزال المباشر مع الجماهير، التي باتت مرجلا يغلي، وبركان يثور، فتجارب الأنظمة الشمولية الفاسدة في المنطقة من حولهم، قد أَثْبَتَتْ أَنَّ الحيطةَ الأمنية، و استعمال الطرق الهمجية العنيفة، التي يستخدمها النظام اليوم ، لا ولن تجدي في التصدي لخماسين الانتفاضة الشعبيَّة القادمة، والتي بدأتْ عواصفُها تهُبُّ من كلِّ الجهات، حاملةً بشائرَ رَبِيع الدِّيمقراطيَّة القادم، وَلَوْ طَالَ السَّفَر. تيسير حسن إدريس 04/02/2011م