أ.د.الطيب زين العابدين تمت يوم الثلاثاء الماضي (18/10) أول صفقة تبادل أسرى بين حركة حماس وحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل بقيادة نتنياهو، تضمنت الإفراج عن 1027 أسيراً وأسيرة فلسطينية من السجون الإسرائيلية مقابل تسليم الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط المحتجز لدى حماس في قطاع غزة منذ يونيو 2006م، وتمت عملية التبادل المتفق على كافة تفاصيلها بسلاسة تامة بين رام اللهوغزةوالقاهرة، وقد لعبت كل من مصر وألمانيا وتركيا وقطر دوراً هاماً في إتمام الصفقة التي كانت محل تفاوض سابق منذ عهد حكومة أولمرت في 2007، تم في ذلك اليوم إطلاق 450 أسيراً و?27 أسيرة جرى اختيارهم بصورة دقيقة بين حماس والحكومة الإسرائيلية بعد مفاوضات مطولة وشاقة على مدى أسابيع فقد كان لكل منهما رؤيته ومواقفه الثابتة حيال نوعية الأسرى الذين ينبغي الإفراج عنهم، ولعب الوسطاء خاصة مصر دورهم في تقريب الشقة بين الطرفين؛ وسيتم إبعاد 40 من هؤلاء خارج فلسطين إلى قطر وتركيا وسوريا، وجلهم من قيادات معروفة في حماس، أما ما تبقى من الأسرى ويبلغ عددهم 550 فسيتم اختيارهم كاملاً بواسطة الحكومة الإسرائيلية التي تحتاج لإكمال صفقة التبادل إلى موافقة مجلس الوزراء اليميني وإلى عدم اعتراض المحكمة الع?يا التي اشتكى إليها بعض أسر القتلى الإسرائليين الذين قتلوا بأيدٍ فلسطينية في عمليات عسكرية سابقة، وقد وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على الصفقة بأغلبية 26 مقابل 3 معترضين على رأسهم افيغدور ليبرمان وزير الخارجية وزعيم حزب (اسرائيل بيتنا) اليميني المتطرف والذي لولاه لما استطاع نتنياهو تكوين حكومته عقب انتخابات فبراير 2009 التي فاز فيها حزب كاديميا بمقعد واحد على حزب الليكود، تعتبر صفقة تبادل الأسرى أكبر إنجاز تحققه حماس على الصعيد السياسي منذ نجاحها في انتخابات يناير 2006 والتي حصدت فيها مقاعد أكثر من حركة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني مسددة ضربة قاصمة لأم المنظمات الفلسطينية التي احتكرت الأغلبية البرلمانية منذ تأسيس المجلس التشريعي،ولكن حماس لم تستفد من أغلبيتها في المجلس لأنه أصبح في حكم المتعطل بسبب اعتقال اسرائيل لعدد من نواب حماس وبمنع انتقال الآخرين من غزة إلى مقر البرلمان في رام الله، ولتغيب أعضاء فتح قصداً من جلسات المجلس حتى لا يقيد السلطة الفلسطينية بقراراته،وتب?هن حماس بهذه الصفقة على جدوى المقاومة الشعبية بكافة الوسائل ضد الاحتلال الإسرائيلي فإن التفاوض العاجز الذي كانت تقوم به السلطة الفلسطينية منذ أوائل التسعينيات لم يحقق لها دولة ولا إفراج عن الأسرى بهذا الحجم، بل كانت إسرائيل تحاصر السلطة الفلسطينية بالمزيد من الاستيطان ومصادرة الأراضي والمنازل وسن القوانين الجائرة ضد عرب 48 ومطالبة السلطة الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل وبالتنازل عن القدس وعن حق العودة وبقبول دولة منزوعة السلاح تعيش أبداً تحت رحمة الهيمنة الإسرائيلية، وقد درجت إسرائيل دوماً على أن لا تعطي شيئ?ً للعرب إلا تحت ضغط قوي يجبرها على ذلك، فهي لم تنسحب من سيناء ومن بيروت ومن جنوب لبنان ومن غزة إلا بعد حرب 73 مع مصر، وبعد معارك مسلحة مع المقاومة في لبنان وغزة كلفتها ثمناً باهظاً؛ ولم تدخل في عملية تبادل أسرى إلا مع عدوها اللدود حزب الله اللبناني الذي أجبرها على الفرار من بيروت ومن جنوب لبنان دون اتفاقية سلام مع الحكومة اللبنانية التي دعمت المقاومة المسلحة، وزادت شعبية حماس في الشارع الفلسطيني بعد صفقة الأسرى خاصة بعد موقفها المرتبك وغير المبرر في معارضة خطوة الرئيس محمود عباس بالتوجه إلى الأمم المتحدة?لنيل حق عضوية كاملة لدولة فلسطين والتي وجدت ترحيباً فلسطينياً وعربياً ودولياً، ولم تعارضها صراحة إلا إسرائيل وأمريكا! وتفتح الصفقة فرصة للمصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح التي تجمدت مساعيها منذ فترة طويلة لأن النظام المصري السابق ما كان يريد لحماس أن تحقق مكانة متميزة في الساحة الفلسطينية، بل كان يأمل أن يتقرب بتسوية فلسطينية إسرائيلية إلى أمريكا لينال دعمها السياسي لخطة التوريث في مصر، وقد صرح خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في القاهرة عند استقبال الأسرى الفلسطينيين، إننا على استعداد لإجراء محادث?ت في مصر حول إنهاء ملفات المصالحة الفلسطينية ولتقويم مسار القضية الفلسطينية عبر السنوات الماضية لنصل إلى خطة عمل مشتركة بين الحكومة والمقاومة لخدمة القضية الفلسطينية في مستقبل الأيام،وتحتاج حماس إلى مكان آمن قريب من فلسطين يأوي إليه قياداتها المغضوب عليهم من إسرائيل ومن دول الاعتدال العربي، وقد كانت سوريا تؤدي هذه المهمة في السنوات الماضية لكنها في الآونة الأخيرة طلبت من حماس قفل مكتبها في دمشق لأنها لم تؤيد النظام السوري ضد الشعب المنتفض عليه بصورة واضحة، وبزيادة شعبية حماس في الشارع الفلسطيني وانتشار الث?رات العربية ونجاحها في إسقاط بعض الأنظمة العاتية، وظهور فاعلية حركات الإسلام السياسي في العالم العربي-وحماس جزء منها- ينفتح الباب أمام حماس للحوار مع الغرب الذي يعدها حتى الآن «منظمة إرهابية»، وربما قاد ذلك لفتح قنوات حوار مع الدول الكبرى يكون مقدمة للوصول إلى شرعية دولية تحتاجها حماس، فقد علق الرئيس الفرنسي ساركوزي على الصفقة بقوله: من أجل الإفراج عن جلعاد شاليط كان من الضروري أن يقوم بعض الأشخاص بالتواصل مع حماس وإنها إشارة إيجابية،وقد تكون جماعة الاخوان المسلمين في مصر شجعت حماس للمضي قدما في عقد الصفقة?لأن ذلك من شأنه أن يضفي صورة الاعتدال التي تريدها الجماعة الأم في التعامل مع الغرب وهي على وشك خوض انتخابات فاصلة في التاريخ المصري الحديث تطمح أن يكون لها كسب مقدر فيها، ومدح مرشد الاخوان في مصر الأستاذ محمد بديع بأنها أعادت تفعيل قضية الأسرى وقضية فلسطين بما يتناسب مع حجمها وأهميتها، وأثبتت أن الحقوق تنتزع ولا تستجدى، وكذلك اضطرت إسرائيل للتعامل مع حماس التي تعتبرها منظمة إرهابية يشكل مجرد الإنتماء إليها جريمة في العرف الإسرائيلي، كما ظهر في اعتقال سامر علاوي مدير مكتب الجزيرة في أفغانستان الذي جاء لزيارة أمه واخوته في الضفة الغربية بعد أكثر من عشر سنوات فاعتقل لحوالي أربعة أسابيع؛ وقد يحمل ذلك إسرائيل للاعتراف بحماس في المستقبل كفصيل سياسي يمثل ثقلاً في الساحة الفلسطينية لا يمكن تجاوزه، واستطاعت حماس أن تكسر معايير التفاوض حول الأسرى بعد أن قبلت إسرائيل لأول مرة الإفراج عن أسرى فلسطينيين كانت تصفهم بأن أيديهم ملطخة بد?اء الإسرائيليين ولا يمكن ان يخضعوا لأي عملية تبادل للأسرى، وبإطلاق سراح عدد كبير من أصحاب المحكوميات العالية والمؤبدة ينفتح المجال لكل الأسرى في السجون الإسرائيلية ومنهم قيادات شعبية صلبة أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات، وينبغي التضامن الآن مع الأسرى الفلسطينيين الذين يخوضون «معركة الإمعاء الخاوية» عبر اضرابهم عن الطعام لأكثر من أسبوعين احتجاجاً على تردي وتدهور الوضع الصحي للكثير منهم، وعلى الدول العربية التي تفتح جبهات لا معنى لها مع ايران أن ترفع صوتها دفاعاً عن هؤلاء المستضعفين الذين لا بواكي لهم في هذ? العالم الظالم المختل المعايير، الصحافة