[email protected] يحكى أن شاباً تعلق قلبه بحسناء وقرر الزواج منها وفاتح صديقه في الأمر فنصحه بالاستخارة قبل الإقدام على الزواج، ولكن خشية الشاب من أن تأتي الاستخارة بما لا تشتهي سفنه جعلته يبتدع صيغة غير مسبوقة في الاستخارة تضمن له الارتباط بمن شغفها حباً في كافة الأحوال فدعا قائلاً (اللهم إن كان فيها خير فأجعلها من نصيبي وإن لم يكن فيها خير فأجعل فيها الخير وأجعلها من نصيبي). على غرار الاعتقاد السائد لدى أهلنا في غرب السودان عن (أم كيكي) أنثى الطائر التي بمجرد أن يضع القدر بيضتها في طريقك فأنت في مأزق وليس لديك سوى أن تختار من بين خيارين أحلاهما مر فإن أخذتها مات أبوك وإن تركتها ماتت أمك، لم يترك انطلاق ربيع الثورات العربية للأنظمة المستبدة من خيار سوى الرحيل طوعاً أو كرهاًً وفي كلا الحالتين لا بد لقادتها من دفع استحقاقات الرحيل التي تراوحت حتى الآن بين النجاة بالبدن كما في حالة دكتاتور تونس أو الجلوس في قفص الاتهام كما في حالة فرعون مصر أو الموت كما في حالة سفاح ليبيا...ولا يدري أحد ماذا ستكسب الأنظمة المستبدة المتبقية غداً ولا بأي كيفية تموت؟ المهم إن رسائل الشعوب للأنظمة الدكتاتورية بدأت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ولكن مخاتلة بعض الأنظمة الدكتاتورية تجعلها تتأخر في الرحيل وتتشبث بالترقب وانتظار المستحيل إلى أن يطبق عليها الشعب وقد أصابها الذهول (الآن فهمتكم) و(إيش صاير). نظام المؤتمر الوطني لا يشذ عن هذه المنظومة المستبدة ولكن شأنه شأن من سبقه لا زال في شوفه يخاتل العينة التي جلبت ربيع الأنظمة العربية ويحاول، كما حاول صاحب الاستخارة، الابتداع في مفهوم ثورات الشعوب أملاً في تجيير هذا الربيع الممتد لصالحه وجعله من نصيبه كما كانت الحقبة السابقة من نصيبه (أم جركم ما بتأكل خريف وربيع). وقد كان آخر ما بدر من أهل النظام في هذا الشأن تصريحات مندور المهدي الذي أكد خلو البلاد من البذور التي أنبتت الربيع العربي، داعياً لمعرفة مسببات الثورات العربية، وقال: دواعي الثورة في السودان غير واردة، وأضاف أفرغنا كل مسببات الثورة، فقط هناك ثقوب صغيرة نعمل على تغطيتها ومعالجتها. وإننا نقول لهذا المندور إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فقل لنا بربك ماذا تبقى من دواعي لم تتوفر بعد لقيام الثورة في السودان وهل كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في كل من مصر وتونس وليبيا أسوأ مما نحن فيه؟ كفانا مخاتلة يا هذا!!! ولرب ثقب أودى بنظامه كما أودى بأخيل كعبه. أما الدكتور نافع فقد قال في المؤتمر التنشيطي للحزب بولاية الجزيرة: كونداليزا رايس تتعجل أتباعها للقضاء على نظام السودان خوفا من ربيع الثورات العربية الداعمة للسودان!!! وقد سبقه في المخاتلة ومحاولة التجيير مصطفى عثمان إسماعيل حين قال: في مصر وتونس كانت القيادات بعيدة كل البعد عن القاعدة العريضة، أما في السودان فنجد أن الرئيس البشير يعيش وسط الناس يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، والحزب غير منقطع عن قواعده، ولذلك لا يمكن أن نقارن الأوضاع في السودان مع مصر وتونس!!! أما الرئيس البشير فقد أجاب ذات مرة في لقاء مع جريدة الشرق القطرية: إن السودان بعيد عن الثورات لأنه قريب من نبض الشارع. فإذا كانت القيادات في مصر وتونس بعيدة عن القاعدة ولا تحس بهمومها ولا تتفاعل معها فتلك هي المصيبة التي أشعلت الثورات ولكن إن كانت القيادة في السودان قريبة من الشارع وغير منقطعة عن القواعد وملمة بكل صغيرة وكبيرة ثم لا تحرك ساكناً في حل قضاياها الملحة و ضرب مواطن الفساد المؤسسي المنظم الذي أسهم في إفقار الشعب تكون المصيبة أعظم وتكون الدواعي أكثر توفراً لقيام الثورة فما فائدة عيش القيادة وسط القاعدة وهي غير فاعلة في التعامل مع قضايا ها وماذا يسمى هذا غير (العضيرة دقه واتعذر له). المخاتلة وحدها لا تكفي أهل الإنقاذ للإفلات من هذه العِينة ومن هذا الربيع فمبارك كان يظن أنه آخر الرؤساء المحترمين في مصر وكان ينتظر أن يقيم له الشعب المصري تمثالاً باعتباره من أبطال أكتوبر والقذافي كان يعتقد حتى آخر رمق من حياته بأنه القائد الخالد وإنه سيبقى وستذهب الجرذان والمؤتمر الوطني لا زال يتوهم بأن إسقاط نظامه مستحيل ولكن ليس بأمانيهم ولا أماني أهل الاستبداد من يعمل سوءاً يجزى به. إن ما يتشدق به أهل النظام لا يعدو أن يكون أماني كاذبة وغرور بالشعب – والغرور بفتح الغين كما في بعض التفاسير هو الأمل في المغفرة رغم الإصرار على العمل بالمعصية- فإذا كان النظام لا يزال يسرف في التعسف والفتك والتسلط على الرقاب ويمعن في التقصير في حق المواطن معولاً على سماحة وعفو الشعب السوداني الطيب فلا نملك في هذا المقام إلا أن نقول لهم لا تغرنكم كاذبات الأماني ولا يغرنكم بالشعب الغرور.