تحاول سلطة المؤتمر الوطني أن تجعل من الحرب واستمرارها وتمددها إلى ما بعد (تحرير) أبو كرشولا ستاراً لفشل سياستها في انقاذ الأزمة التي تعاني منها البلاد والمعاناة القاسية التي يعيشها للشعب. فبينما هي ترفع رايات الحرب ترتفع بأعلى من تصريحاتها أصوات الجماهير الجائعة المقهورة مطالبة بانقاذ الموسم الزراعي من الفشل حتى لا تقضي المجاعة على ما تبقى من شعب السودان. حذَّر مزارعوا الولاية الشمالية من انهيار الموسم الزراعي وتدمير مشاريعهم بالكامل بسبب ارتفاع تكلفة كهربة المشاريع الزراعية والرسوم والجبايات الباهظة. وطالبوا الدولة بانقاذ العملية الزراعية بشكل عاجل فقد تقلصت المساحة المفترض زراعتها قمحاً من(13) ألف فداناً إلى(130) فداناً فقط بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج. فكهربة المشروع الواحد تكلف(25)ألف جنيهاً للمزارع الواحد. ولهذاعجز60%من المزارعين عن إدخال الكهرباء في مشاريعهم. واشتكى الاتحاد العام لمزارعي السودان التابع للدولة من احجام وزارة الزراعة وبنك السودان والبنك الزراعي من توفير احتياجات الموسم الزراعي الحالي. وأقر بوجود مشاكل وتحديات عديدة ستؤدي إلى فشل الموسم الزراعي الحالي. وحذَّر من عملية الشد والجذب بين الاتحاد ووزارة الزراعة. ووصف الموسم الحالي بأنه في وضع حرج ونجاحه رهين بترتيبات وزارة الزراعة والري. واسناد التمويل على المزارع والذي يصل إلى(90%) واستحالة ذلك لأن تكلفة الفدان الواحد بلغت(500)ألف جنيهاً، علماً بأن الحواشة الواحدة في الجزيرة تبلغ(10) فداناً وفي المناقل(5) فداناً، فمن أين للتمويل الذاتي بتغطية هذه المبالغ,. أما عن مشروع الجزيرة فيقول النائب البرلماني عبد الله بابكر محمد علي وهو عضو قيادي في المؤتمر الوطني، أن الحكومة هي السبب في الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وذلك لأنها أضاعت عائدات البترول في تشييد العمارات وشراء السيارات وصرفها في الكماليات. ولو وجهتها في الزراعة لما واجهت أزمة بعد انفصال الجنوب. ولما أصبحت المجاعة على الأبواب. أما عندما يقول والي ولاية الجزيرة بأن(مواطني الجزيرة ليسوا فئران تجارب) ويقر بتدهور المشروع نتيجة للسياسات المتعددة التي اتخذتها الدولة تجاه المشروع، يصبح الحديث أكثر خطورة، رغم أن ذلك لا يعفي الوالي الزبير بشير طه من المشاركة في المسؤولية وهو المنفذ لسياسة الدولة في ولايته. أما الاتحاد العام لمزارعي السودان فقد دعا، وهو يرى الخطر محدقاً إلى تدخلات عاجلة لانقاذ ما يمكن انقاذه في الموسم الزراعي الحالي، خاصة في الزراعة المطرية. وحذَّر من تأثير عدم التدخل لتأخير وصول المعدات والمدخلات. وأكد أن هناك إضطراب شديد يواجه هذا الموسم. فعلى سبيل المثال كان المفترض أن تتم كهربة(70%) من المشاريع الزراعية. إلا أن النسبة لم تتعد(25%) فقط وهذا خذلان مبين. وأكد أن وزير الزراعة هو كل شيء، فهو الذي يحدد معيار دعم القطاع الزراعي متى، وكيفما شاء، وهوأحد الأسباب الأساسية في فشل الموسم الزراعي. أما في ولاية القضارف التي تعتبر أحد المناطق الأساسية لإنتاج الذرة بأنواعها والسمسم والفول وغيره من البقوليات فقد اشتكوا منذ زمن طويل لطوب الأرض من المعاناة في التكلفة الباهظة لمدخلات الإنتاج المختلفة وانعدام أبسط التحضيرات للموسم الزراعي وارتفاع قيمة الضرائب والجبايات وغيرها.. ولم يجد صياحهم أذناً صاغية. وهم يُحذِّرون الآن بأن نهاية هذا الشهر ستكون نهاية أملهم الأخير في موسم زراعي اذا لم تكتمل التحضيرات للزراعة، خاصة وقد بدأ هطول الأمطار في بعض المناطق. أما غرب السودان، معظمه ، إن لم تكن كل ولاياته لا تنعم باستقرار يذكر لممارسة الزراعة حتى في حرم قراهم، فقد أصبح الذهاب إلى أقرب سوق مهمة خطيرة في العديد من الولايات. أما ولاية البحر الأحمر فينعدم فيها ماء الشرب للإنسان ولا أمل في الأفق القريب لما يروي ظمأ الإنسان والماشية ناهيك عن الزراعة. إن ما يحدث في السودان ليس بسبب انعدام موارده المختلفة، بل يعتبر من أغنى البلدان الافريقية بهذه الموارد. فقد أكد مؤتمر الأمن الغذائي الذي انعقد في الخرطوم بفندق السلام روتانا في الأيام القليلة الماضية، إن السودان بلد غني بالموارد الطبيعية والبشرية ويمتاز بتنوع مناخي واسع. وتتراوح معدلات الأمطار من(50) ملم في الشمال إلى(1400) ملم في السافنا الغنية وبه موارد طبيعية هائلة لم تستغل بعد إلا بالقدر اليسير. فالأرض الزراعية الخصبة تبلغ نحو(80) مليون هكتار. ويتمتع بمراعي طبيعية تفوق مساحتها(47) مليون هكتار. وغابات مساحتها(74) مليون هكتار. وبه ثروة حيوانية تقدر بحوالي(104) مليون رأس من الأبقار والضأن والماعز. ومع كل ذلك تدق المجاعة أبواب السودان من جراء السياسات التي تتبعها سلطة المؤتمر الوطني عن قصد ومع سبق الاصرار لمصلحة مجموعة من الرأسماليين الطفيليين. وهؤلاء رغم مكوثهم في السلطة الربع قرن من الزمان لم يفكروا في تفجير هذه الثروات لخدمة الشعب وتخفيف معاناته . بل جُل همهم هو الربح السريع من ماهو موجود من مؤسسات قامت في عهد الاستعمار للثراء منها عبر الخصخصة وتحويل فوائض ما ينتجه الغير إلى جيوبهم عبر السمسرة والفساد والثراء الحرام. إن الحرب ومحاولة استمرارها عبر أبوكرشولا أوالتصعيد مع الجبهة الثورية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، لن يشغل شعب السودان من همومه الحياتية اليومية، فهو يطأ جمرة المعاناة في كل خطوة يخطوها... واذا قدر للموسم الزراعي أن يفشل فتأكدوا أن شعب السودان سيقضي على نظامكم الطفيلي الفاسد قبل أن تقضي عليه المجاعة. الميدان