[email protected] لم يكن الموقف الأمريكي والغربي المؤيد والداعم للثورات العربية سياسة عابرة أو تكتيكية التفافية أو مناورة ضد أقطاب الند القدامى هنا أو هناك أو مزادة سياسية كلا إنها إستراتيجية مرحلة وحقبة قادمة قد تستمر سنين عديدة وفي ذلك نلاحظ الثبات الاستراتيجي الواضح والصريح في احتضان الثورات العربية على المستوى الإقليمي والأمم المتحدة والمبادأة الباكرة والمتقدمة في سياسة المواقف والأعمال العسكرية الداعمة للثورات المفضية لتغليبها ضد أنظمة حلفاء الأمس القريب من الأصدقاء ومنظومة الحكم العربية التي حصلت على لقب دول الاعتدال, والإطاحة بهم دون اعتبار حتى لمصائرهم الإنسانية المؤلمة أمام المصالح الإستراتيجية العليا المفترضة للغرب تحت قيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية. تعلم جيدا الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم ككل بنخبه ومثقفيه أن البديل للأنظمة العربية هم الإسلاميون الذين تقاطعت معهم المصالح وقت مناهضة الشيوعية في العالم, وقد أثبتوا قدرتهم في طرد الاتحاد السوفييتي من أفغانستان وبرزت شوكتهم فيها وفي المناطق المجاورة, ويضاعف من صدق هذه الفرضية نتائج انتخابات الجزائر 1991م التي حققت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية فوزا كاسحا, وانتخابات النقابات المهنية المهمة ذات الثقل في العالم العربي, واستطلاعات الرأي التي تشير إلى رغبة المواطن في التغيير ورفض المنظومة العربية ككل, وفوز حزب العدالة والتنمية في تركيا - المشابه للحالة العربية- لثلاث دورات انتخابية متتالية 2002, 2007, 2011م, وفوز حماس 2006م, والآن تونس 2011م, وستثبت ذلك انتخابات مصر وكل الدول التي ستجري فيها انتخابات نزيهة. ولتحليل هذا التحول الاستراتيجي الغربي واستباق الخطى والمواقف من أجل الدخول في هذا التحول العالمي الذي سيشكل جزءا مهما في النظام العالمي المقبل كشريك, والممارسة العملية للحكم ستفرض الدور الذي ستلعبه النظم الجديدة في تحديد ماهية هذه الشراكة, ومن خلال الاستقصاء يمكن استكشاف وبيان حقيقة الموقف الإستراتيجي الأمريكي والغربي المتبني للثورات العربية على افتراض أن الصندوق سيقلد الإسلاميين للحكم في الدول العربية: - الاستفادة من تجربة جملة الأخطاء في التعامل الغربي مع الثورة الإيرانية 1979م فقد وقف الغرب ضد الثورة وجربوا كل الوسائل؛ فلم تنفع وتجد معها حرب الوكالة المفتوحة التي شنتها العراق, ولا العقوبات المتنوعة أو العزلة الدولية, في ضوء هذه التجربة بات واضحا ضرورة انتهاج موقف احتضان الثورات ورعايتها على غرار التجربة الغربية مع ثورات دول أوربا الشرقية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي. - الدخول في صدمة الواقع المزدوجة -الحركات الإسلامية والشعوب-, فالحركات الإسلامية لم تتعرف وتمارس الحكم بعد أو المعارضة الدستورية ولم تتحمل أعباءها ومطالب الشعوب وحاجاته المتوالدة وضبط الأمن وغلظة وصرامة هيبة الدولة, وبات واضحا لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية ضرورة مواجهة الشعوب بالحركات الإسلامية وري شوقها وعطشها لاستكشاف فروق الفكر والممارسة, وتنفيذ الوعود المثالية عبر أدبياتها وإعلامها, لاسيما وأن أمل الشعوب بالحركات الإسلامية كبير جدا بسبب الفروق الكبيرة بين واقع الأنظمة القمعية وما يطرحه الإسلاميون من صلاح محض فقط لا تخالطه شائبة هذا الصلاح المرتبط بالعقائد والمثل الإسلامية الفريدة المنتقاة من نماذج التاريخ المثالي للحضارة الإسلامية والعربية ورقائق الزهد والترفع حتى أن بعض الإسلاميين رفض مقابلة مع إحدى الصحافيات الأجنبيات بسبب عدم وجود محرم, وماذا كان يتوقع هذا الشيخ الوقور؟ أن يأتي معها ديك تشيني محرما مع احترامنا لتعظيم شعائر الدين, لكن السؤال ماذا أعد سعادة هذا المتعفف الفاضل وزملائه من نظم وحجب من إغواء السلطة التي هي أم الشهوات وملايين الفتيات ومليارات الدولارات وآلاف الهكتارات؟ - اعتقاد الأمريكيين أن الحركات الإسلامية لا تتمتع بالديمقراطية والحريات التي ينادي بها الشعب العربي فقد ضرب لذلك الاعتقاد مثلا المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط ديفيد هيل في سياق كلمة ألقاها في ندوة أقيمت بولاية شيكاغو الأمريكية يوم الجمعة 28/10/2011 حيث قال:\" إن قيادة حماس لا تتميز بالديمقراطية والحرية والإصلاح وهي الشعارات التي ينادي بها أبناء الشعوب العربية في المنطقة\" في سياق موضوع عن الثورات العربية. - على المستوى العالمي تسعى الولاياتالمتحدة وأحلافها إلى استباق المواقف لقطع الطريق في المنطقة أمام القوى الدولية المنافسة كالصين وروسيا ورغم أن هاتين الدولتين ترغبان في تقاسم بعض المكاسب من خلال استخدام مجلس الأمن وحق النقض الفيتو, لكن المنطقة لازالت ساحة نفوذ لأمريكا وحلفائها. - الفشل في مواجهة تنامي الحركات الإسلامية والأمثلة في ذلك كثيرة: ففي أفغانستان مازال الصراع الأمريكي قائما ضد القاعدة وطالبان حتى اليوم منذ عشرة أعوام حين بدأ عام 2011م والذي يمثل سببا مهما لأزمة أمريكا الاقتصادية والسياسية ويرخي بتبعات خطيرة مماثلة للتي لحقت بالاتحاد السوفييتي إبان غزوه لأفغانستان وترنحه في المستنقع الأفغاني يستنزف عقدين مما أدى إلى تفككه, إضافة إلى الفشل في القضاء على حزب الله وحماس أو تحجيمهما. - قناعة الولاياتالمتحدةالأمريكية أن الأنظمة العربية هي التي خلقت المناخ من مصادرة الحريات والحقوق التي بدورها أدت لظهور هذا التشدد وتنامي الحركات الإسلامية. - تجارب حكم الحركات الإسلامية المطمئنة للغرب, فهذا النموذج الإسلامي في السودان يحكم منذ العام 1989م ولم يشكل خطرا على المصالح الغربية في المنطقة ولا حتى داخل السودان أيضا, وضرب مثلا للتعامل في فض المشاكل بالطرق السلمية في حل مشكلته مع الجنوب. في نهاية هذه الكلمات سيكون المستقبل بإذن الله للشعوب العربية رغم حالة المخاض العسيرة التي نتمنى أن لا تطول وتنتهي دون إقصاء أحد أو اجتثاثه من أجل بناء الاقتصاد المتهاوي ورفع مستوى المعيشة وصون كرامة الإنسان والمشاركة في الحضارة العالمية والإنسانية والإسلامية.