تأسيس: ليس من حق احد ان يقف امام الملأ ويقول أنا الاسلام ، ليس من حق احد ان يتحصن بكتاب الله ثم يعلن علينا من ورائه أن من نصره وايده فقد دخل في زمرة المؤمنين الصالحين ، ومن خذله وعارضه فقد خرج على كتاب الله وصار من أعداء الله المارقين .. لكنهم في زماننا يقولون غير ذلك .. فتنقلب موازين العراك وأسلحته ، ويتحول الامر من قبول او رفض للاجتهاد السياسي ، ليصبح إيماناً بالله أو كفراً به ، ودعماً للاسلام أو طعناً فيه . * فهمي هويدي – يرد على نفسه كان من الطبيعي ان تتوج نضالات الشعوب التي ثارت ضد انظمتها الشمولية وعبر الثورات التي انتظمت العديد من هذه الدول بقيام انتخابات في بلدانها ، ولعل الشعار الذي تواثقت وألتفت حوله هذه الشعوب مجتمعةً هو ضرورة التأسيس للدولة المدنية الديمقراطية ، وهذا هو الاتجاه والمنحى الطبيعي لتطور الشعوب وتقدمها في سبيل تحقيق الاستقرار والتعايش لمجتمعاتها من خلال تجزير وترسيخ عملية التداول السلمي للسلطة والدفع بها في اتجاه التطور ، وفي ذلك يمكن متابعة ان ما تم في تونس من تجربة انتخابية حظيت باشادة الجميع ، وبحسب ما رشح عن أنها تجربة حرة ونزيهة ، اعتقد ان ما تم في تونس يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح ، وهنا لابد من التوقف قليلاً عند تفاصيل التجربة الانتخابية المعنية ، وبحسب رغبة وتطلع الشعوب الى ضرورة سيادة الدولة المدنية والاحتكام اليها ، لذا لا يهم ان يحوز حزب (النهضة) ام حزب (الفرقعة) على عدد مقدر من المقاعد ، وإنما المهم هو ملاحظة التحول الذي يتم في البنية التكوينية لهذه الاحزاب ، ولقياس مدى انتقالها تفكيرياً في تجاوز للثوابت المنهجية و(بتقليعة) الاعتدال . اذن فان ما يجب التوقف عنده هنا هو ان الخطاب الديني من حيث النوع واحد ، ويظل الفرق والاختلاف في درجة الاعتدال والتطرف ، خصوصاً وان شعب تونس يقبل على تجربة لممارسة سياسية لحزب سياسي يطرح نفسه (معتدلاً) ، وللشعوب المختلفة الحق المطلق في ان تتخير وتتأمل وتقارن بين نمازج تجارب الحكم الاسلامي سواء كان في ايران أم في تجربة الجبهة الاسلامية في السودان أم غيره من التجارب التي تمثل نموذج للحكم باسم الاسلام ، وهنا يجب ان لا يفوت ايضاً ان هنالك ضرورة موضوعية لقياس المضامين المعرفية التي تعكس درجة اعتدال ذلك الحزب ، وهل هذا ينسجم مع رغبة شعب تونس في تحقيق الحرية والديمقراطية في إطار الدولة المدنية ، أم أن المسألة فيها تماهي قائم على لبوس طروحات التطور والتقدم ، والذي يجب ان يكون حاضراً ايضاً في ذلك بالطبع هو نوعية الخطاب الديني ومنهجيته ، وما يجب ان يكون حاضراً أيضاً وبحسب نموذج تجربة الجبهة الاسلامية للحكم في السودان هو احتمالات الخديعة والمكر من واقع التجربة نفسها . اذن فان شعب تونس تقع أمامه مسئولية كبيرة في (حراسة) هذه التجربة ومراقبتها وتطويرها من خلال الدفع بها اكثر وأكثر لاتجاه التقدم ، وهنا الحديث لا يعدو كونه حديثاً لأجل تشخيص وتحليل الواقع على مستوى بنيته (الفوقية) ، وان الواجب المقدم للشعوب التي ثارت ضد انظمتها الباطشة والظالمة هو ضرورة الحفاظ على سيرورة ديناميكية الممارسة الديمقراطية عبر التداول السلمي للسلطة وتحت مظلة الدولة المدنية الديمقراطية باعتبارها الخيار الامثل لتحقيق تطلعات الشعوب المختلفة ، من خلال سبرغور تناقضات الواقع في جوانبه وابعاده المختلفة ، وذلك بوضع الحد الفاصل لأنظمة الاستبداد واستبعادها الكامل عن ساحة الممارسة السياسية ، ويجب ان لا تنطلي على أحد خديعة الحكم باسم الاسلام ، كما يجب ان يتم وقف كل الممارسات السياسية التي تتزرع باضفاء القداسة على الممارسة في الحكم ، وطالما ان الشعوب المختلفة قد اختارت الدولة المدنية الديمقراطية كنظام للحكم ، يجب ان يتم اعمال مبدأ ذلك على مستوى الممارسة السياسية ، وبالتالي لا مجال الى ان هنالك حزباً سياسياً معتدلاً وأن هنالك آخراً متطرفاً ، وإنما المهم هو حرية الشعب ونيله لحقوقه المختلفة من خلال تأمين مصالح المنتجين ، وهذا الذي يقرر ويشرع . ان الشعوب المختلفة قد لفظت وتجاوزت خديعة الحكم باسم الدين ، وليس من الحكمة او المنطق اقحام الدين في الممارسة السياسية (للدين قدسيته وللممارسة السياسية دنيويتها) ، ان كنت معتدلاً أو متطرفاً فهذا شأنك الذي يرتبط بخصوصية علاقتك بالذات الإلهية – عذراً جماعات الاسلام السياسي لا تسقطوا ما هو خاص على ما هو موضوعي ، وليس هنالك من يدعي انه يحمل تفويضاً الهياً او انه ظل الله في الارض وهو مبعوث العناية الالهية ، كفى اتجاراً وبحثاً عن المصالح الحياتية والدنيوية باسم الدين . اذن فان المسألة المحورية المتعلقة بتطبيق جوهر الدولة المدنية هي ضرورة المساواة الديمقراطية والثقافية ، وهذا يعني أن ليس هنالك ايدولوجيا صالحة لكل زمان ومكان . ان تجاهل المسائل الثقافية الكبرى للصراع الاجتماعي كالتراث ومشاكل الاستلاب الفكري والاجتماعي والحضاري والانساني وبما ينسحب على القاعدة الاولية لتكوين الوعي الاجتماعي والعقلي للتاريخ ، اصبح يشكل عائقاً كبيراً امام التطور الاجتماعي . إن حل المسائل الكبرى – الاجتماعية السياسية – التي تساعد على تجاوز التناقض الكامن في كل دولة بين وحدتها وهيمنة فريق اجتماعي معين عليها وبين المصالح المتعددة والمتناقضة التي ينطوي عليها كل مجتمع ، فكيف يمكن لفئة ان تحكم باسم المجموع وتحتكر السلطة القصرية دون ان تحول هذه السلطة الى أداة لخدمة القضايا التي يمكن تلخيصها في حل التناقض بين بناء ثقافة حديثة تستجيب لمتطلبات التطور الاجتماعي ، أي تجاوز الثقافة التقليدية والقديمة دون نفي الوحدة الثقافية التي تجعل من شعب من الشعوب متميزاً على غيره وقادراً على ادراك مصالحه ، إذ لو فقد شعب من الشعوب وحدته الثقافية فقد تاريخه واصبح من السهل هضمه ، وهذا ما يشكل اساس الديمقراطية المدنية ، أي العلاقة بين الدولة والافراد والطبقات وعلاقة السلطات على صعيد الدولة فيما بينها . وهذا بالطبع اساس كل ديمقراطية نسبية وضمان تكوين سلطة معبرة عن مصالح الاغلبية وقادرة على تقديم بديل شرعي لها ضد فشلها أو تميزها واستقلالها عن الشعب ، والخروج اذن من الحلقة المفرغة للانقلاب العسكرية ، وحل الصراعات الاجتماعية بالعنف والقمع والقهر وعن طريق تفجر الازمات والنزاعات ، وهنا يتجلى الفهم السليم للدولة المدنية باعتبارها صمام امان الاستقرار السياسي والتعايش الاجتماعي . الميدان