بسم الله الرحمن الرحيم مؤتمر قضايا الأستاذ الجامعي نظرة في الأوراق والمحاور د.إسماعيل صديق عثمان إسماعيل [email protected] ديسمبر2011 كتبت منذ شهرين أو يزيد مقالا بعنوان هجرات عظمى وقلت أن المقصود من العنوان ليس الحديث عن سلسلة هجراتٍ عظمى great migrations عن قناة ناشو نال جيوغرافيك التي تعنى بهجرة الحيوانات وإنما الحديث عن هجرة العلماء والعقول . وقلت أن البشرية لم تعرف دينا عُني بالعلم والعلماء كالإسلام , وتحدثت عن تفشي البطالة وعدم الكفاية والعدالة في توزيع الوظائف العامة والخاصة في المجتمع السوداني وغيره من المجتمعات العربية مما جعل البعض من المؤهلين يفكر في الهجرة إلى الدول الأخرى عربية كانت أو أجنبية . وقلت أن خطورة تجاهل هجرة حملة الدكتوراه يؤدي إلى حرمان السودان من عطائهم فتتسابق الدول لاستخدامهم في الخليج وفى أوربا اعترافا بمؤهلاتهم واحتراما لمقدراتهم ، والحقيقة أننا في السودان درجنا أن لا نكرم الناس إلا بعد وفاتهم حيث نكتب عشرات المقالات التي تعدد مآثرهم ونتغنى بنبوغهم وهم في القبور لا في ميدان الحياة الدنيا ليشهدوا تكريمهم و تصدق فينا المقولة التي تقول :لا كرامة لنبي بين قومه . و التعليم مهنة الأنبياء. والعلماء ورثة الأنبياء والحق أن الدكتور السوداني (الأستاذ الجامعي ) من مختلف التخصصات يشعر إزاء كل ما يجري حوله بالقهر أو قل هو مقهور يظن في نفسه الدكترة والعلم وقد تبدو العبارة ذاتها وهي تحمل من المتناقضات ما لا وجه في مصالحة بين أن تكون حاصلا على أعلى درجة علمية يفترض فيها أن توفر لك كريم العيش وتقيمك اجتماعيا وبين أن تعاني من الحصول عليها بدفع ضريبتها المتمثلة في نظرة المجتمع لها بعد الجهد والوقت والمال المنفق علي الحصول على هذه الدرجة . وقد تشرفت بحضور الجلسة الافتتاحية لمؤتمر قضايا الأستاذ الجامعي ، الذي أقامه الاتحاد المهني العام لأساتذة الجامعات والمعاهد العليا بالتعاون مع النقابة العامة للعاملين بمؤسسات التعليم العالي ، تحت شعار الأستاذ الجامعي رائد التغيير والتنمية المستدامة ، وذلك برعاية كريمة من السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية ، صباح يوم الأربعاء 14/ 12/ 2011م بمركز الشهيد الزبير الدولي للمؤتمرات ، وقد تميزت الجلسة الافتتاحية بكلمات تنم عن الحماس في معالجة قضايا الأستاذ الجامعي ،بداية من كلمة رئيس الاتحاد مرورا برئيس النقابة العامة ثم كلمة رئيس اتحاد الجامعات السودانية ووزير التعليم العالي وانتهاء بكلمة السيد راعي المؤتمر . وقد تناول المؤتمر قضايا الأستاذ الجامعي في عدة محاور أولها قضايا البحث العلمي وثانيها محور سياسات استقرار الأستاذ الجامعي ثم محور التمويل والتخطيط .وأخيرا طرح ومناقشة قانون شرف المهنة . ولعل من أهم الأوراق التي قدمت في تقديري هي ورقة د . عبد العظيم المهل (الوضع الاقتصادي للأستاذ الجامعي مقارنة برصفائه في الوطن العربي والأفريقي )، التي جاء في مقدمتها : تهدف هذه الورقة إلى دراسة وضع الأستاذ الجامعي في السودان مقارنة مع رصفائه في الدول العربية والإفريقية خلال الفترة الأخيرة التي تمتد لحوالي عقد من الزمان , خاصة وان السودان يمر بمرحلة جديدة تمثل الجمهورية الثانية بعد انفصال جنوب السودان ونتمنى أن ندخل هذه المرحلة ونحن أكثر تسلحاً بالعلم والمعرفة , ويحتاج اقتصاد المعرفة إلى ما يسمى بالكتلة الحرجة من العلم والمعرفة والتي ترتكز بالدرجة الأولى على عدد وافٍ من العلماء والاختصاصيين في مختلف المجالات الاختصاصية المعرفية بالإضافة إلى البنية الأساسية اللازمة ولكن النزيف الدائم Brain Drain للخبرات والعلماء والقدرات يحرم البلاد من الانتقال إلى مجتمع المعرفة وإنتاجها وتكرس وضعية التخلف العلمي والتقني والإنتاجي وهذا ما نعانى منه بشدة في الفترة الماضية ولكن واضعي السياسات والتشريعات لا يشعرون بذلك فقد أصبح المجتمع السوداني من كثرة هجرة واغتراب علمائه من غير قائد في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وأصبحنا نستهلك المعرفة المستوردة بدلاً عن توليدها ونعتمد على الأخر في كل شئ ونقطع المسافات الطويلة ونصرف العملات الحرة التى نحن فى اشد الحاجة إليها لتلقى العلاج في الخارج ونبحث عن حلول مشاكلنا عند الآخرين وكل ذلك يؤدى إلى استدامة الفقر والتخلف والأمية والمرض , وفقد السودان نتيجة لذلك حوالي مليون مهاجر من ذوى الكفاءات والعلم والمهارة والقدرة القيادية والإبداع والندرة وقد صرف عليهم الشعب السوداني من موارده الشحيحة ودربهم فى الداخل والخارج واقتطع لهم من دواء المرضي ولقمة الجائع لتدريبهم فى الخارج فمن المعروف ان الدكتوراه تكلف حوالي 70الف دولار والماجستير 40 ألف دولار والزمالة المهنية 50 الف دولار , ولكن عقب عودة هولاء المبعوثين إلى بلادهم لا نستطيع المحافظة عليهم وسرعان ما يتسربون من بين أيدينا إما إلى الخارج أو للقطاع الخاص داخل السودان خاصة مع ضعف التمويل الحكومي . ثم يمضي بعد أن يبين مرتبات الأساتذة الجامعيين السودانيين مقارنا : وأصبح أعضاء هيئة التدريس من الفئات المستضعفة مقارنة بالآخرين , فإذا ما قارنا رواتب وامتيازات هيئة التدريس المادية وغير المادية مع الهيئة القضائية وديوان النائب العام وبنوك القطاع العام ومؤسسة التنمية السودانية والقوات النظامية نجد ان جملة مخصصات هذه الفئات تفوق مخصصات أعضاء هيئة التدريس فهذه الفئات مخصصاتها خارج الهيكل الراتب للدولة ويصل الدخل الى أكثر من ضعف راتب مدير الجامعة مثلاً , فيمنح القضاة والمستشارين بديوان النائب العام المخصصات الآتية : تخصيص عربة , بديل نقدى يعادل 6 شهور اجمالى بدل مراجع يتراوح بين 1000 – 2300 جنيه فى العام بدل لبس ما بين 500 – 2100 جنيه فى العام اذا قارنا رواتب أعضاء هيئة التدريس مع البنوك والشركات الكبرى نجد أن مرتبات أعضاء هيئة التدريس قليلة للغاية مما أدى إلى تسرب أعضاء هيئة التدريس للخارج ولبعض المؤسسات الحكومية والخاصة داخل السودان بل ان نهاية الخدمة لأعضاء هيئة التدريس ضعيفة للغاية ولا تفي بالاحتياجات الأساسية وصندوق الزمالة يمنح الأستاذ حوالي 7000 جنيه بعد التقاعد بينما صناديق الزمالة في القوات النظامية والبنوك تمنح متقاعديها ما بين 150000 جنيه الى 750000 جنيه وإذا قارن مديري الجامعات مع مدير البنوك نجد أن مدير الجامعة يتقاضى حوالي 3000 – 5000 جنيه في أحسن الأحوال بينما مديري البنوك يتقاضون مابين 20000 – 30000 جنيه والمعتمدين 8000 – 18000 جنيه والولاء 13000 – 20000 جنيه والوزراء والولائيين ورؤساء الوحدات يتقاضون راتباً أعلى من عمداء الكليات حيث يتفاوت أجرهم ما بين 2000 جنيه إلى 4000 جنيه ورؤساء الأقسام يتقاضون أجورا عادية زائداً بدل عبء أدارى قدره ما بين 100 – 400 جنيه مما أدى إلى هروب الأساتذة من تولي المناصب الإدارية الجامعية , ويقول :فقد زادت معدلات الهجرة في الثلاث سنوات الأخيرة بصورة مفزعة وانتقائية بصورة كبيرة جداً ففي جامعة السودان فقدت الجامعة أكثر من مائة دكتور 45% منهم عمداء سابقين ورؤساء أقسام اخذوا إجازات بدون مرتب وسافروا للخارج بينما استقال فى عام واحد اكثر من 5% من أعضاء هيئة التدريس وفصل 17 آخرين للسفر للخارج , واحيل الى المعاش حوالى 13 أستاذا اى فقدت الجامعة فى الفترة السابقة حوالى 150 استاذاً ( أ. مساعد , . أ مشارك , بروفسير ) من جملة 557 استاذ واستاذ مشارك واستاذ مساعد فى الجامعة اى فقدت الجامعة 27 % من خيرة أساتذتها خلال فترة وجيزة ومازال النزيف مستمر وهذا العام 2011 اشد قسوة خاصة بعد ان ضاعفت المملكة العربية السعودية مرتباتها بينما البنوك والجامعات الخاصة والشركات الكبرى مرتباتها اكبر من مرتبات أعضاء هيئة التدريس وفقدت جامعة الخرطوم أكثر من 500 أستاذا خلال السنين الأخيرة وحوالي 100 أستاذ في العام 2011م وجامعة النيلين 67 أستاذا وجامعة امدرمان الإسلامية 74 استاذاً واكثر من 84 أستاذ من جامعة الجزيرة وايضاً زادت حدة ووتيرة الهجرة فى العام 2011 ورغم ان كثير من منظمات المجتمع المدنى عكسوا ذلك لمتخذي القرار وواضعى السياسات الا ان ذلك لم يجد اذناً صاغية الى ألان وصار الأستاذ الجامعي يحل مشكلته بنفسه ويحزم حقائبه ويغادر دون أن يجد من يبكى عليه. هذه بعض الملامح من محاور وأوراق مؤتمر قضايا الأستاذ الجامعي وسنحاول لاحقا تغطية بعض الأوراق المقدمة ونعلق عليها مع التركيز علي التوصيات التي نتمنى تنفيذها ، والتطرق لميثاق أخلاقيات الأستاذ الجامعي والله الموفق وهو المستعان .