و رحل مكسيكي (عاشق أمدرمان) منال محمد الحسن [email protected] عفة .. أمانة.. حلم..تواضع .. سخاء ، صفات تحلى بها الراحل الذي أقيمت له ليلة تأبين بقاعة كزام بأمدرمان.. في ليلة طغى عليها احساس بطعم مرارة الفراق و ارتفع فيها نحيب النساء و هطلت فيها دموع الرجال..في تلك الليلة أحسب أن كراسي القاعة و التي تعودت على تمايل من يجلس عليها طربا قد أصابها في تلك اللحظة حزن و انحناء لمن ذكرت سيرته العطرة.. رحل (كمال مكسيكي) كما كان يلقب و أقيم هذا التأبين بعد مرور شهرين من وفاته ، بعد صراع مرير مع المرض..رحل كمال بن مصطفى أبَشر حمد ابن الحاجة فتحية حسين..الذي ولد بأمدرمان- حي الشهداء عام 1957م درس المرحوم الابتدائي بمدرسة كمبوني و الهجرة.. و المتوسط بمدرسة ودنوباوي الوسطى و الثانوي ببيت الأمانة.. و قد عمل بالشركة الأفريقية للتأمين ثم وكيل تأمين عام ثم مدير فرع الشرق الأوسط للتأمين بأمدرمان.. كان المرحوم رجل من الذين حببهم الله في خلقه و حببه في فعل الخير ، لا يجد شيئا معوجا إلا حاول اصلاحه، لا يجد محتاجا إلا ساعده.. ما سمع بمشروع خيري إلا و بادر و دفع من جيبه ثم يمر على الخيرين و رجال الأعمال ليجمع منهم.. و أحيانا يقتلعه اقتلاعا ثم يساهم به لسد ثغرة ما.. في هذه الليلة التي لم تشهد أمدرمان مثيلها أتى جميع رجال الأعمال الرياضيون..الأطباء..المرضى..المحتاجين..رجال الأعمال.. رؤساء الجمعيات و الروابط..الكل كان يبكي من مرارة الفراق ، بعضهم يبكي على نفسه و يشعر بأنه فقد من يعوله و يدعمه و البعض يبكي لمن كان يأتي لهم بالأجر عندما كان يأخذ أموالهم رضاء أو غصبا ثم يفعل بها الخير.. يكفي الفقيد أنه: من مؤسسي منتدى أبناء أمدرمان عضو ناشط في جمعية مرضى السكري مؤسس رئيسي لوحدة غسيل الكلى بمستشفى أمدرمان أول المبادرين لانارة مقابر البكري و أحمد شرفي عضو في جمعية المشتل الرياضية من أبرز ظرفاء أمدرمان ساهم في تبني علاج المرضى المعسرين و مساعدة الأرامل و الأسر الفقيرة مبادر سنويا في اعداد وجبة الخيرين لاقامة افطارات رمضان للعاملين و مرافقي ودة غسيل الكلى.. ولا أستطيع أن أحصر أعماله.. كانت ليلة التأبين ملحمة متفردة، أتى كل يحمل كلماته في ورق ليتلوها.. و لكن أغلب المتكلمين لم يستطيعو اكمال ما يقولون، فسرعان ما تغلبهم العبرة و تتقاطر الدموع.. لقد تكلم..فتحي إبراهيم عيسى رئيس اللجنة المنظمة و الشيخ عبد القادر الهدية و سرد كيف كان يصلي معهم الفقيد في المسجد في الحوش الخارجي.. و في يوم ما سأل الامام: لماذا تصلون في الحوش و ليس داخل المسجد؟؟ فقال له: عشان السخانة شديدة جوه.. فسكت.. وبعد أيام أتى بمكيفات للمسجد و أشرف على تركيبها.. تحدث أيضا مؤمن الغالي و معاوية ميرغني أبشر عن شركة الشرق الأوسط للتأمين.. تحدث صديق نقد عن مجموعة المشتل و تكلم الحاج خالد عن رجال أعمال أمدرمان.. و الدكتورة سهير عبد الرحيم عن مركز غسيل الكلى بأمدرمان و أفاضت .. و تحدث عن مجموعة الموردة أبو عبيدة بقاري.. و الأستاذ صلاح محمد علي عن منتدى أبناء أمدرمان.. و رغم ذلك لم يوفي حديثهم حق هذا الرجل.. و مثلت أسرته دكتورة نفيسة محمد الأمين فرثته و شكرت الحضور و عددت مآثره.. و أبكت الطفلة تهليل تاج الدين بمرثية عن خالها و كذلك فعل الجقر.. أتى كثير من الشعراء و نظموا شعرا و قالوا بملئ أفواههم : لن ننساك كمال مكسيكي و مدحه أبناء الشيخ محمد خير.. الراحل كان متفرد في كل شئ و يحمل قضايا الغير و يتبناها.. و يحكى و العهد على الراوي أنه أثناء اصلاح كبري الخرطوم أمدرمان قفل الكبري مدة طويلة فذهب كمال للمعتمد و سأله عن سبب التأخير فأجابه: نحتاج لمجموعة كبيرة من علب البوهية.. فبادر و قال له: إذا كان هذا الموضوع سنتكفل بجمع العلب و نأتي بها بعد أيام..ضحك الوالي و قال له: لن نتأخر كثيرا.. و بالفعل بعد فترة قصيرة تم فتح الكبري.. و في الختام قام الشيخ محمد زين بالدعاء و قراءة القران على روحه.. و المفاجأة الداوية أن الراحل كان يسكن في بيت إيجار و ليس له منزل حتى الآن.. ربح البيعة كمال بإذن الله.. وإنا لفراقك لمحزونون..و ربنا يجبر كسر السيدة صفية (زوجته) و يقدرها على المسؤولية و يعوضها في أبنائها الباشمهندس طيران نور الدين و ندى اقتصاد جامعة الخرطوم و نهى مدرسة أمدرمان الثانوية النموذجية شرق.. و إنا لله و إنا إليه لراجعون...