بسم الله الرحمن الرحيم وما حاجتنا أصلا لهؤلاء؟!!. محمد عبد المجيد أمين ( عمر براق) [email protected] المسألة ليست معادلة كيميائية أو مسألة رياضيات عويصة مطلوب حلها فالعلاقة بين العبد وربه ينبغي أن تقوم علي تواصل مباشر ، أساسه الإعتقاد الجازم بتوحيد الربوبية ثم العمل بما أمر وفقا لمبدأ الاستقامة وذلك دون أي وسطاء أو كلاء أو مندوبين ينوبون عن العباد. فالاسلام ، هو الانقياد ، ليس إنقياد شخص إلي شخص مثله ، وإنما إنقياد كامل لله تبارك وتعالي ، وعندما يسلم المرء زمام أمره إلي خالقه وبارئه ، فقد إستمسك بالعروة الوثقي ووضع قدمه علي أول طريق النجاة. في هذه المعادلة البسيطة سيكون هناك طرفان فقط هما ، العبد وربه ( خاصة بعدما ختمت الرسالة وإنقطع الوحي) وإذا دخل طرف ثالث ، تحت أي مسمي فقد \" خربت\" المعادلة وحادت عن المسار. ولأننا ، بسبب إسلامنا الفطري ، لا نكترث كثيرا لهذه الأمور ، ولا نعمل الفكر أو التدبر ، ويمكن أن نسلم مصيرنا لأي جهة يمكن أن تدعي تحمل تبعة التكاليف نيابة عنا ، فإن كثيرا من الحقوق التي وهبها الله لعباده كي يكملون بها المسيرة ويخوضون بها الامتحان بأنفسهم تضيع منا وبذلك ندخل في \" التيه\" ونصبح العوبة يلعب بها \" الزعماء\" المدعون . أما عن الزعم بالانتماء لبيوت روحية بعينها أو نقاء الجنس لقبائل معينة فهي كلها ترهات بثها أهل الفتنة وسدنتها ليسيطروا علي الناس بسمو \" مصطنع\" لا يشكل أي مطلب أو شرط في الدين ، بل ولا يعطي أي مزية لهؤلاء بقدر ما يستهجن باعتباره \" خداع\" للذات قبل أن يكون خداعا للناس . كثيرا ما ينخدع الناس بالمظهر، فكما ذكر أحد الأصدقاء ، أنه يمكن لأي مدع ،مهيب المظهر ، يلبس لباس \" الورعيين\" ، أو كما يقال \" عدة الشغل \" كما يفعل أهل السلطة الآن ، أن يتصدر الإمامة في الصلاة بعدما يقدمه المصلين أنفسهم. ومن مسالك الشيطان في الاضلال ، إقحام الناس في مسائل لا تشكل مطلبا رئيسا في الدين مثل ، زعزعة الهوية والشك في منبتها ، أو محاولة التأصيل لهوية \"مميزة\" يستعلي بها علي الآخريين. وهذا ما أدخل ضمن السياسة \" الإقصائية\" مؤخرا وكانت سببا مباشرا لشرذمة الناس وتهميشهم ورفع السلاح وخوض الحروب وفقد الأرواح. والناظر إلي طبيعة تكوين السلالات البشرية في السودان يجد أنها خليط من كل الأعراق بحسب درجات الغزو والنزوح والهجرة ، والهجرة المعاكسة ( نوبية مصرية ، حجازية، يمنية ، مغربية ، تركية ، حبشية ، تشادية ، زنجية ..ألخ ) مما يجعلنا نجزم بنفي عنصر النقاء الخالص لدي الأغلبية ذات الزعم العربي وأن هذا \" الهجين\" المراد التبرؤ أو التهرب منه ، هو في نظري مزية ، بل طفرة \" بيولوجية \" وليست بعورة يتأفف المرء منها ويتواري منها بتلفيق أصل مصطنع. ولو أن الجينات تتكلم لقالت أنها من صنع الله الذي أحسن كل شئ. بل ولو كان للمرء شئ من العلم وقدر من الفهم وقرأ الحديث الشريف \" كلكم من آدم وآدم من تراب\" للجم فيه وما عاد يتشدق ويتباهي بمثل هذا الزعم. يكفي فقط أن تعترف من دون ذلك بسودانيتك ، وتثبت حقك علي هذه الأرض وينتهي هذا الخلاف ، مع الذات ، ومع الآخريين . قال تعالي \" ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ \"الزمر/29 . وإذا ما قبلنا بمنطق العلم وأبجديات الدين ، فإننا سنجد أنه لا يوجد أزمة هوية أساسا في السودان ، وأن مصدر \"الربكة\" أو محاولة \" الارباك\" هذه ،التي نراها تطفو علي السطح من آن لآخر ، وتقحم ضمن أجندات العمل والبرامج السياسية ، ما هي محاولة ل \" التطفيف \" للنيل من الآخر والحط من قدره لاستلاب قدراته ثم السيطرة عليه. أزمة السودان الحقيقية ، هي أزمة \" زعامات \" أتت بها ظروف تاريخية وسياسية معينة ، كلها خارجية ( الهجرات ، الاستعمار، توافد الطرق الصوفية) وبسبب جهل وبساطة غالبية سكان البلاد الأصليين آنذاك ، فقد عمد كل من هؤلاء إلي تطبيق سياساته ومناهجه علي البلاد ، حيث تري أن بعضا منها كان إيجابيا نوعا ما ، في حين أن أغلبه جاء سالبا وبامتياز ، وذلك من خلال العرض المجمل الآتي: 1- الهجرات : نشر الدين مقابل الاستقرار ثم الانصهار. أما السلبية الظاهرة والمؤثرة حتي الآن فهي إدعاء التميز العرقي. وهي مفارقة مضحكة مؤداها قمة التناقض بين تولي مسئولية نشر الدين وفي نفس الوقت الاستعلاء عرقيا علي الآخريين. 2- الاستعمار : تأسيس بعض مظاهر المدنية الحديثة ، إداريا وعمرانيا وتنمويا. أما مظاهره السالبة فكانت إشاعة الفرقة بين الكيانات لأسباب سياسية إستعمارية ، وإغلاق الجنوب بدعوي منع الاسترقاق ونشر المسيحية فيه . 3- الطرق الصوفية : فتح سبل وطرق ومناهج مختلفة للتعبد . وقد كان لهذه الطرق تأثيرا عميقا في تشكيل البنية الاجتماعية وبالتالي صياغة الشخصية المحلية ، فقد أصبحت العبادة أقرب لعبادة \" الزلفي\" بعدما أصبح شيوخ هذه الطرق والمتصوفة منهم يتصدرون متطلبات العبادة ولا تذكر الأركان إلا ويذكرون ، وكأن لهم الفضل والمنة ، وهذا بحد ذاته ينسف أساس عبادة التوحيد الحقة. لا يحتاج الدين أصلا ، علي المستوي العقدي ، إلي زعامات وقيادات ، وحركات وشيوخا تأخذ بيد الناس كي تضعهم علي الصراط المستقيم ، وإنما يحتاج إلي فقهاء حقيقيين ودعاة يبصرون الناس بدينهم وينذرونهم فقط . أما علي مستوي معايش الناس وحاجاتهم ، فإننا بحاجة فقط إلي أناس تنفيذيون يقومون بواجباتهم بكل أمانة وتجرد وفقا لأسس ولوائح تنظيمية محددة متسقة مع طبيعة الواجب ومستلزمات التكليف. ولأن الشعب السوداني عاطفي جدا ، تجاه مسألة الدين وإسلامه الفطري، فقد إستغل المدعين ، وليس الدعاة ، علي مدار التاريخ المعاصر ، علي الأقل ،هذه السلبية الفريدة فراحوا يلعبون علي \" وتر\" الدين لاستلاب قدرة الناس علي التفكير والاستقلالية فأوحوا اليهم بأنهم الأعرف بأمور دينهم وأن الدين لا يتأتي إلا عن طريقهم ، وأنهم \" القوي الأمين\". ينطبق هذا علي كل الجماعات والحركات والطوائف والطرق والرموز التي تدعي \" حوزة\" الدين وأن العبادة لا تتم إلا بفهمهم وعلي طريقتهم وأورادهم وبرامجهم الخاصة. وهكذا ، يضيع المرء بين ثنايا الشرك والضلال وهو لا يدري أنه ، في النهاية ،آتي الرحمن \" فردا\". إن الناظر إلي طبيعة الصراع الدائر في الساحة الآن ليجد مفارقات عجيبة أهمها : 1- أن أطراف الصراع يدعون كلهم أحقيتهم في السلطة باسم الاسلام ( المؤتمر الوطني وحركاته الاسلامية المزعومة ، حزب الأمة ، الاتحادي الديموقراطي ، المؤتمر الشعبي ، ومؤخرا ، منبر السلام العادل). 2- أن كل مخرجاتهم القولية والفعلية لا تتمشي مع أبسط قواعد الشريعة الاسلامية وتنتفي بين كيانتهم الشوري الحقة ويقف علي رأس كل طائفة منهم \" زعيم \" يصر علي أنه الأوحد في زمانه . 3- أنهم كلهم راضون بما يجري من فساد وإنهيار للقيم ، بل ووالغون فيه وليس من أدبياتهم الفعلية ولا من برامجهم ولن يكون ، أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، وهذا وحده كفيل بابعادهم عن أي \" زعامة\" مدعاة وفقا لأي مقاييس كانت ، شرعية أو عقلية . لسنا هنا بصدد عرض مظاهر\" إنتكاس\" الفكر الديني والجهل به لأغلبنا ، فقد أصبحنا بالفعل ، \"ضحايا\" ذلك الجهل ، ولو أننا أمعنا التفكير مليا ، لوجدنا أننا نستحق أكثر مما لقينا وما نلاقي من عنت وظلم وفساد يمارس علينا بإسم الدين ، ولو كنا نفهمه حقا ونعمل به لثرنا له ، ولكنا نراه ينتهك كل يوم ولا نحرك ساكنا فاصبحنا بذلك شركاء أصلاء في كل المعاصي والآثام التي تجري من حولنا وهذا دليل دامغ علي ضعفنا البين، حتي ولو إنتهجنا أضعف الإيمان. مؤكد أن وحدة الدين لا يمكن أن تتخذ \" مطية\" لتحقيق أهداف سياسية ومصلحية( هي أبعد ما تكون عن الدين إن لم تكن مقوضة لمبادئه وأسسه الأخلاقية ) تخدم فئة ، أو جماعة ، أو حركة ، أو حزب معين علي حساب الآخريين. ومؤكد ايضا أننا كلنا ، بلا إستثناء ، بحاجة إلي مراجعة شاملة لجوهر عقيدتنا مع التأكيد علي إعادة تحسين علاقتنا مع رب العباد. كما أننا بحاجة ماسة إلي مراجعة مفهومنا للقائد والزعيم والحزب \"الأسطورة\" . وبمناسبة ذكر الأسطورة ، فان موقف الحركة الاسلامية الأخير جاء مشابها إلي حد كبير ب \" كعب اخيل\" في الميثولوجيا اليونانية ، فالحركة الاسلامية بمذكرتها ، بصرف النظر عن كونها اصلية أو مفبركة ، لم تظهر إلا بعد \" خراب سوبا\" وهي التي كانت مختفية تماما منذ مذكرة العشرة الأولي ، ولم نسمع عنها بعد ذلك سوي أن لها \" أميرا\" كان حاضرا طوال الوقت ، يلعب في الصف الأول ب \" كوشتينة \" الحكومة ، ولم نسمع من هذا الأمير السعيد أنه \" نهر\" أو إنتقد حزبه علي ما أتي من آثام ومعاصي في حق الحزب نفسه وحق الشعب وحق الاسلام والمسلمين!!. وهكذا... يظهر لنا الخطاب من عنوانه جليا : لا جديد يقرأ .... بل ولا يستحق القراءة!! غير أن \" كعب آخيل هو نقطة الضعف ، إذ لم يكن هناك عمل إسلامي حقيقي بقدر ما كان ضررا بالغا للاسلام والمسلمين. وبذلك ، ينضم هؤلاء إلي أولئك ، من زمرة المسلمين \" المسطحين\" في البلاد. وبعد ، لنضع أنفسنا في الإمتحان الصعب ، حيث يميز الخبيث من الطيب وليكن عملنا كله طيبا ، فالله تبارك وتعالي لا يحب الا الطيب . قال تعالي \" لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ \"الأنفال /37. أعاذنا الله وإياكم من نار جهنم ووضعنا علي الطريق القويم لاصلاح عقيدتنا ووطننا . ملحوظة : واجب العزاء موصول إلي أسرة وأهل المرحوم سالم أحمد سالم ولعموم الشعب السوداني ، وإنا لله وإنا إليه راجعون. الدمازين في:2012/01/17 محمد عبد المجيد أمين(عمر براق ) [email protected]