عبدالله مكاوي [email protected] أصبح تعليق الصحف سيف مسلط علي راس الصحفيين والناشرين وتضييق لهامش الحريات الضيق أصلا ، ومسألة تهديد الأمن عبر نشر خبر او رأي او تحقيق مسالة تثير الاستغراب في بلد ثلثا ميزانيته موجهه للأمن والدفاع مما يعني بالضرورة مدي السطوة والمقدرة! ومعلوم ان الصحفي يحمل قلمه فقط ولا يحمل مدفع او قنبلة وما يطرحه قابل للنقاش والدحض والتفنيد عبر نفس المنبر الذي يطل منه وقابل لوقوف الصحفي أمام منصة القضاء لو تجاوز العرف الصحفي او تجني علي الغير بدون وجه حق ، لذلك ما تم أخيرا من إيقاف لصحيفتي الوان او راي الشعب بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع أصحابها امر غير مبرر بكل المقاييس وأعاد لنا هذا التصرف مواجع كنا ظننا أننا قد تجاوزناها عندما أصدرت خفافيش الظلام حكم الإعدام علي طاقة الضوء وشمس الحق ومسرب الضئ صحيفة أجراس الحرية الفتية وشردت العاملين بها بغير شفقة كان نسائم الرحمة لم تغشي صحاري طباعهم القاسية وهجير أفعالهم اللافحة وهم يستهدفون هذه الكوكبة الرائعة ذات العقول النابهة والأيادي النزيهة كما عبر المبدع حميد وهي تدفع ببصيرة الستة ليصيروا جماعة تحمل هموم الوطن وأوجاع المواطنين وتنبه للخطر القادم من جهة الإسلام المسيس ومن رافعي المصاحف بغير وضوء وحاملي سبح الذهب والفضة والياقوت وأوراق البنكنوت، ومما ضاعف من لواعج الحزن و الشجن الأليم ان تجربة اجراس الحرية ليست تجربة صحفية رائدة فقط ولكنها مثّلت مدرسة لبث الوعي بالحقوق والديمقراطية والوطنية وجدار صد ضد المظالم والفساد ومرآة صادقة لأحوال الكادحين والتعابة المنسيين وترياق مضاد لسموم الانتباهة (الصحيفة) والأبعد من ذلك مثّلت اجراس الحرية تجربة عملية لإمكانية التعايش والتآلف بين أبناء الوطن في الجنوب والشمال وكَشف لزيّف التعالي والشعور بالنقص والعنصرية التي عمقتها الأحداث الدامية بين الطرفين وتاريخ مُثقل بالمظالم والتجاوزات والاستخفاف بالآخر. فرَادة تجربة اجراس الحرية تمثّلت ايصاً في رفع شعار وتطبيق المشتركات الإنسانية في المساواة والعدالة وتقبل الآخر كشريك أصيل في الوطن، ومن رحم العمل المشترك تولّدت علاقات الزمالة والإخوة الحقة ليكتشف الجميع ان الخلافات والصراعات ونفي الآخر المختلف ما هي إلا أدوات ووسائل وظفتها وغذتها الأنظمة العسكرية الاستبدادية للحصول علي الامتيازات والمحافظة عليها وان المواطنين البسطاء في الجنوب والشمال هم الوقود لهذه الحروب العبثية و الضحايا في كل الأحوال وان العدو المشترك لكليهما هو دائرة الجهل والفقر والمرض اللعينة إضافة للاستبداد بكل تشكيلاته والنخب الأنانية المتعجرفة سهلة الشراء للعسكري المؤدلج الذي يقدم طموحاته وأوهامه علي أرواح المواطنين وتماسك الوطن الواحد. وأظهرت التجربة القصيرة للصحيفة ولو علي مستوي الكتاب والقراء ان هنالك كثير من المشتركات الوجدانية بين أبناء الوطن في الشمال والجنوب ناهيك عن المشتركات المادية كالاراضى والمياه وغيرها من الثروات فاكتشفنا أننا شركاء في الهلال والمريخ وفي بعانخي وتهراقا وشموخ الابنوس والنخيل والتبلدي في التاية وسليم ومحمد عبد السلام وعلي فضل وكل الشهداء في عبد القادر ود حبوبة ومحمد عمر بشير في وردى ومصطفي سيداحمد وعبدالرحمن عبدالله في حميد ومحجوب شريف والسرناي في جون قرنق وجوزف قرنق وبونا ملوال وفرانسيس دينق وابل الير وعلي عبد اللطيف وعبيد حاج الامين في ياسر عرمان ومنصور خالد وحيدر ابراهيم علي في الخاتم عدلان والحاج وراق ونقد وكمال الجزولي في رشا عوض وخالد فضل ودينق قوج وقرشى عوض وفائز السليك ورباح الصادق المهدي وصلاح شعيب وفي محجوب محمد صالح وعبدالله آدم خاطر وحيدر المكاشفي والطاهر ساتي في محمود محمد طه وعمر القراي والنور حمد وغيرهم الكثير من المنادين بالحرية ودولة المواطنة والمؤسسات والرعاية الاجتماعية والمشاركة الفعلية للجميع، واكتشفنا أننا شركاء ضد الطيب مصطفي واسحاق احمد فضل الله والجنرال والعسكر ونافع والكيزان السادرون في غيّهم والترابي وتاريخه الذي لم يتطّهر بالاعتذار العلني وقبول المحاسبة وغيرها من المشتركات التي ضاعت بالتسرع وقصور النظر وضيق الأفق للمتطرفين في كلا الجانبين ولكن يتحمل الوزر الأكبر الإسلاميون كمحصلة واقعية لسوء إدارتهم للبلاد طوال العقدين الأخيرين. سيشهد التاريخ ان الظلام دخل مدينتنا يوماً واستباحها بجنود التعصب والضلال وأزل رجالها وهان نساءها وجوّع أطفالها وحطم طموحات شبابها ودَمّرَ مقدراتها ووقف علي تل خرابها ليعلن انتصاره علي الضياء والنماء والرخاء وليعلن عن قيام دولة الجوع والخنوع والإحباط ومن ثم اعمل خنجره المسموم دون رحمة في جسد البلاد ليقسمها لنصفين غير قادرين علي الحياة الطبيعية وعُرضة لأمراض الاقتتال والفناء ونسال الله للشعب الخلاص ليدرك ما تبقي من أطلال الوطن العظيم.