[email protected] .عندما كنت اسير عابرا الممرات الطويلة في مطار بانكوك الدولي قاصدا مكاتب تدقيق الجوازات .. كان ثمة شعور يطفو على سطح وجداني بعد هذه الرحلة الطويلة من دبي الى بانكوك عابرا الدوحة القطرية ، كان الشعور يهمس لي برفق ومن بين خلجات نفسي ويؤكد لي بأنه لا فرق .. مهما تباعدت المسافات الجغرافية ، و( تكتنكت ) الاجواء وعمتها التكنولوجيا فانها لا تنحج كثيرا في صنع الفروقات ويظل الانسان في كل مكان هو الانسان في انفعالاته وفي طموحه ، وفي آلامه .. هؤلاء الشباب الذين امامي يركضون بفرح لابد انهم سيلتقون بحبيب لهم بعد قليل ، هذه الفتاة التى تصرخ بلغة لا افهمها ثم تشرع زراعيها لتلتقى بالاخرى في احتضان دافئ لابد ان قلبها يعرف الوفاء والحب ، هذا الطفل الذي يبكي لابد انه قد انزعج من هذه الرحلة الطويلة التى اقلقت منامه ، وفي لحظة ما احسست بتلاشي خصوصية المكان ، وابتسمت وقلت في نفسي كأنني في موقف شندي ، فالحب هو الحب ، والشوق هو الشوق والقيم الانسانية هي اللغة العالمية الوحيدة التى يجب ان نجيدها . ان شندي للذين لا يعرفونها هي مدينة سودانية بسيطة مثل اهلها تلقائية في انفعالاتها تحلف بالطلاق على الضيف حتى تجبره على الاسترخاء بل وتفرد زراعيها له في احتضان دافي كما تلك الفتاة .. ليس هذا هو المهم .. فنحن واحد بالفعل ، وأخوة رغم أنف المسافات ، وقيمنا الانسانية هي اللغة العالمية الوحيدة التى يجب ان نجيدها ، ولكن الاضاءة المتسائلة التى عمت روحي اثناء تلك اللحظات القليلة والتى وقفت فيها امام ضابط الجوازات كانت تلح علي لماذا نحن في خلاف دائم ، ولماذا نحن نحترب ، ولماذا هذه الرسالة الاخبارية التى وصلت للتوء الى جوالي تبدأ بعبارة ( قتلى في قصف شنته طائرات )، ما هو الشئ المهم الذي يستحق من اجله ان بقتتل افراد البيت الواحد . تخطيت بوابة الفحص الجمركي وانا ابحث عن ممثل الفندق ، أه انه هنا ، يا الهي كم هو عجيب كيف تعرف علي بهذه السرعة .. لقد اخذني الى سيارته وقد أحسست بأدبه ولطفته ومهنيته لذلك سارعت اقول له ( هاو ار يو ماي برازر ) وجلست في السيارة واستمريت أقول له مردفا ، انا سعيد لانني فزت في بلادي بجائزة تقدر باكثر من ربع مليون دولار ، فالتفت الى السائق وما تركني اكمل حديثي وقد ارتسمت في قسمات وجهه علامات هي مزيج من الدهشة ، والسرور ، والتمنيات كانت كل قسمة من قسماته تؤكد لي انه محب للمال من الطراز الاول وما عضد ذلك تفلت السيارة منه في هذه اللحظات واقترابها من الانحراف ، وكذلك تلك العبارات الانجليزية الركيكة التى صدرت منه وتقول لي : - اه انت محظوظ كم اتمنى ان افوز مثلك بجائزة ذات يوم . ضحكت انا بصوت عال وقلت له : - انا ايضا مثلك مازلت احلم . فادرك السائق انني اداعبه فانفجر ضاحكا .. كنت افهم السائق تماما على الرغم من لغته الانجليزية الصعبة ... كنت افهمه لانه كان يذكرني تماما ب (ود حمودة ) ذاك الذي قدم من السودان الى دبي منذ ايام ليشتري جهازا للكشف عن الذهب وهو يمني نفسة بالثراء ، كان و( د حموده ) هو ايضا وفي كل قسمة من قسمات وجهه يؤكد انه عاشق للمال من الطراز الاول مثله مثل سائقي هذا .. في الفندق كنت احس ان كل شئ ينساب في سلاسة ، وكانه ماء عذب ينساب على رخام حريري وعلى ايقاع موسيقى ناعمة كتلك التى تضمخ ارجاء الفندق الان ، لم اقف كثيرا امام كاونتر التسجيل فكل شئ بضغة زر أصبح جاهزا ، ومفتاح غرفتي في يدي ورجل آخر كان قد تولى حقيبتي ومنحها رقم غرفتي وقال لي : ستصلك في غرفتك ، ورغم انني قد تركته مع حقيبتي من خلفي وصعدت الى غرفتي بالطابق الثامن عشر ، الا انني وجدته معي هناك في ممر الطابق الثامن عشر ولا ادري كيف فعل هذا ولكنه النظام . عندما كنت استرخي لدقائق على سرير غرفتي كنت اتسآل عن الطاقة التى تدفع انسان هذا المكان لهذه الدقة والنظام والترتيب ، هل تتولد لديه هذه الطاقة لانه ادرك ان الدقة والنظام والترتيب هي السبيل الافضل لصنع المال والثراء أم ثمة امر اخر يولد فيه هذه الطاقة . ليلا وفي في طرقات بانكوك وجدت كل شئ يسير جنبا الى جنب الناس ، والرقشات ، والرغبات ايضا ، وهذا الرجل الذي لم يتردد في عرض صور فتياته تحت انفي وعيونه تبتسم بغباء كان واثقا انه يعرض شئيا شهيا فيما كان يشعرني بالغثيان ، كأنه يدس تحت انفي طبقا نتنا من السمك غير الجيد .. كنت أسير واتسآل لماذا تسيطر على اذهاننا الشهوات ؟ لماذا نبدو كمن لم يكتشف النار بعد ، ولكن .. ها هي فتاة لا تقل جمالا ولا روعة من تلك التى تقف على يمينها تستجدي الرجال كصاحبنا ، كان يبدو عليها الارهاق وهي تكدح عاملة بجهد على بضائعها المعروضة على طاولتها ، ما الذي يجعل هذه الفتاة تقبل بالرهق والتعب في سبيل لقمتها وتلك الاخرى تتبع الطريق الارخص ، لا اظن ان الامر واضحا لي ولكنني عدت الى الفندق معباة بالتساؤلات هل هي وخزات الجسد تلك التى تفسد علينا فضاءات الروح ، هل نحن نقتتل رغم اخوتنا لأننا نحبس عن ارواحنا انطلاقاتها البكر ، نمت وانا اراهن على أن الحب هو سفينة نجاتنا. أسامة رقيعة www.osamaregaah.com دبي - الامارات العربية المتحدة