..! للكاتب أسامة رقيعة www.osamaregaah.com ثلاثة ساعات فقط واذهب الى المطار .. الملف الذي أرسل لي عبر الايميل منذ قليل لايفتح .. اذا أنا في سباق مع الزمن .. استعنت بادارة الدعم الفني بعد أن فشلت السكرتيرة .. لم يتسغرق الفني وقت طويل ، اذ حال ما أخبرني أنني أحتاج لبرنامج معين لفتح الملف المرسل .. أحسست أن الساعة التى أمامي تبتسم لي بخبث ، وأن مؤشر الثواني فيها يتحداني مسرعا لذلك رجوت الفني بلطف أن يسرع وينصرني على هذه الساعة وعلى مؤشر ثوانيها . لقد تم فتح الملف ببرنامج آخرغير كل البرامج الموجودة على جهازي .. وفي الطريق الى المطار ، كنت افكر وسط الضوضاء والأرهاق ، لماذا يحتاج كل ملف الى برنامج خاص لتشغيله ، الا يمكن وببرنامج واحد أن نفتح كل الملفات ؟ هل هي فرضيات السوق والتجارة وان كل شركة تريد أن تبيع برامجها ، أم أنها فرضيات الخصائص حيث ان لكل ملف خصائصه التى تحتاج الى برنامج يشابهها .. أحسست أن معلوماتي في تقنية المعلومات لاتسفني ، بل تفتح لى نوافذ على اسئلة جديدة ، تجعلني أتنقل عبرها من فكرة الى أخرى دون ان امسك بخيوط احدها .. وفي ومضة الاهتمام الاجتماعي قفز الى ذهني الى ذلك الموقف الذي حدث معي في سيشل ، سيشل جميلة ، وطبيعتها بكر ، وناسها طيبون ومسالمون ويخدومنك بلطف أيضا، وان التقيت بسيدة فعليك ان تحترس لانها اذا احست بالاحترام تجاهك فقد تقبلك في السلام . ومن عادتي في سيشل أن اختلس الفارق الزمني بين كل اجتماع والاخر واطلب من سائقي أن يوصلني الى السوق ، وفي ذاك اليوم من تلك السفرية كنت امارس ذات الاختلاس واتسلل مع سائقي الى السوق لادخل ذلك المحل الصغير للملبوسات الجاهزة .. لقد احببت الالوان التى يستعملونها في لبسهم (الكاجوال) وفي الواقع أن اقصى درجات اللبس الرسمي لديهم هي (كاجوال) فالعاملون يذهبون الى مكاتبهم ب(تى شيرت) والجينز والبنطلون أحيانا ، وفي داخل ذلك المحل الصغير كانت تقف البائعة وهي ترتدي زيا أشاهده لاول مرة في سيشيل كان رائعا عليها ، فقد كانت ترتدي الحجاب ، ولا ادري لماذا اندفعت كل دماء الحنين نحوها حتى قررت الشراء وان امكث اطول في هذا المحل ، ولكن ببساطة لم تصدقني البائعة في عروضها ، بل وكانت تفتقد الى الكياسة ، ولما اكتشفت ذلك طالبتها بالوضوح في السعر والشفافية في عرض البضاعة ، ولكنها تصرفت بما جعل دماء الحنين تتراجع ، فخرجت أنا من المحل لالقي بنفسي في معقد السيارة الخلفي ، والقي احباطي على السائق الذي أمامي واطلب منه ان يوصلني الى الاجتماع التالي ولو كان مبكرا .. وصلت الى المطار ... غسلت ذهني من ذكريات الموقف الذي حدث معي في سيشيل ، ولكن وأنا امام موظفة الاجراءات وبملامحها الاروبية ، ولطفها الفائق تذكرت رحلتي الاخيرة الى كندا ، وتذكرت ذلك الحفل الذي اقامته لنا احدى الشركات ، لقد كنت في الحفل وقد كانت منسقته ترافقني بذات اللطف الذي عند هذه الموظفة ، والاهم من ذلك فقد كانت المنسقة صادقة معي ، فبما انها تعرف انني مسلم ، وانني لا اتناول الكحول أو مشتقاتها كما انني لا احب ان اجلس على أية طاولة بها كحول أو لحم خنزير ، فقد اعدت لي المنسقة طاولة صغيرة خاصة لم يكن معي فيها سواها ، بل وقد حرصت هي شخصيا على احضار طبق العشاء الخاص بي ، وهو عبارة عن تشكيلة من الماكولات البحرية المطهوة جيدا ، كما امتنعت هي عن تناول الكحول في ذاك اليوم ... يا الهي مازلت اتذوق طعم الماكولات البحرية تلك ... انها كانت مطهوة جيدا ومتبلة بصدق الفتاة التى كانت معي .. انتهت موظفة المطار من الاجراءات واصدرت لي بطاقة الصعود الى الطائرة وقد اعادت لي جوازي بينما كنت انا كنت اعود بذهني الى لحظتي التى امتلاءات بشوق كبير لتلك اللحظات الصادقة من ذاك الحفل الكندي الهادئ ، وقبل أن اخطو الى صالة الانتظار توقفت لحظة وفتحت حقيبتي اليدوية واخرجت صورة المستند الذي ارسل لي عبر الايميل .. نظرت الى المستند طويلا وكأنني أريد أن أسأله عن سر البرنامج الذي لا يفتح الا به .. وفي صالة الانتظار لصعود الطائرة اخذت كل الصحف ووضعتها الى جانبي ثم تصفحتها كلها ولا اذكر انني توقفت عند امر فيها ، بل كنت امر عليها ومن خلالها وذهني مشغولا بالتساؤلات والمقارنات .. كنت اراقب سلوك الذين حولي .. كان الاجانب يبدون دوما لطيفين ، يراعون الحقوق ، ويقدرون الاخر ، ويبتسمون ايضا ، اما الاخرين وممن هم امثالنا فلايبدو عليهم ذلك بل تعلوهم مسحة من التحدى لا ادري لمن ، كما يتصرف كل واحد منهم وكانه وحده هو الاهم والافضل وصاحب العقل المميز ، أما بعضهم فأن القيت عليه السلام افتكر انك متظفل او ربما متسول، أما ان ابتسمت له فلابد انك تحتاج اليه ، والامر بدأ لي مربكا ومحيرا ، لماذا نحن ومع كل ذلك فاشلون في الحياة ، فاشلون في التواصل الانساني الجيد مع بعضنا البعض، فاشلون في ترجمة قيمنا الى واقع ، ولماذا كل الاجانب ناجحون في كل شئ، ومتفوقون في ترجمة قيمهم الاجتماعية والانسانية ، بل ولديهم انظمة للضمان الاجتماعي ، لماذا نحن فاشلون في الواقع ، والعمل ، والتطبيق هل لاننا نستخدم البرنامج الخاطئ لفتح ملفات حياتنا ، هل نستخدم نظم ( وسوفت وير ) لا تتناسب مع صفاتنا ، وقيمنا واخلاقنا ، وخصائصنا لذلك تاتي حياتنا دوما بحروف لامعني لها ومواقف لا تعبر عننا ولا عن قيمنا . لا أدري ! من كتابي : خواطر وترحال