قمت قبل سنوات بجولة خليجية، لأن زوجتي كانت في حاجة إلى صيانة طبية وبعض قطع الغيار.. وكانت أيضاً بحاجة إلى أكثر من رأي طبي.. أعتقد أن دول الخليج تحوز خدمات طبية وأطباء في منتهى الكفاءة والرقي، ولا أدري لماذا يهرع أهل الخليج إلى أوروبا للتداوي من كل شيء: الفشل الكلوي والإمساك والتهاب الجيوب الأنفية والبواسير (بالذات)... ما علينا.. أدت تلك الجولة إلى استنزاف ما كان في جيبي وعدت بذاكرتي الى الوراء: عندما تزوجتها كانت تبدو في أحسن حال.. وبعد الزواج أصبحت بحاجة إلى صيانة دورية... وذات يوم صارحت أبو النسب، والد زوجتي، بأنه ليس من العدل أن أتحمل وحدي الأعباء المالية لعلاج ابنته، لأن ما تعاني منه لا بد أن يكون ذا جذور قديمة، فنظر إلي الرجل باستخفاف وقال: بنتي لم تر الطبيب إلا بعد أن رأت وجهك.. المهم: قررت زوجتي أن بالها لن يهدأ ما لم تستأنس برأي طبيب سوداني.. هي مثلي لا تعاني من عقدة الخواجة أو الإنسان الأبيض، بل انني أكثر تطرفاً منها في هذا الصعيد، فالقاعدة عندي هي أن معظم الخواجات الذين يعملون في الدول العربية «بلطجية»: حامل دبلوم الرسم الفني يصبح عندنا استشاريا معماريا. والداية أو القابلة الأوروبية تأتي إلى بلادنا وتصبح اختصاصية في المسالك البولية، وخريج الاصلاحيات وسجون الأحداث يتحول إلى مستشار في شؤون الأمن القومي! وهكذا غادرت دبي إلى الخرطوم، ولكن لأن كيدها عظيم فقد تركت معي مروة ل«تؤنس وحشتي»، وهكذا بقيت في دبي مع أكثر عيالي جنوحاً نحو الإرهاب.. فتاة لو علم بأمرها غاندي لرفع السلاح في وجهها!! فمنذ أن ولدت وهي تكرس كل وقتها وجهدها لبهدلتي.. ربما لأن طبيبة آسيوية رعناء أرغمتني على البقاء داخل غرفة الولادة لحظة قدومها.. يا للعار.. جعفر بن عباس بن شداد العبسي يجلس إلى جانب زوجته لحظة الولادة! أقصد أن ابنتي تلك ربما تعرف أنني أحس بالخزي والعار لتلك الفعلة الشائنة، وأحس بضعف شديد تجاهها لأنني، وبرغم الإحساس بالعار لتلك «العملة المهببة»، أحس بضعف شديد تجاهها لأنني كنت في طليعة مستقبليها عندما قدمت إلى كوكب الأرض. ولحسن حظي تزامن وجودي في دبي مع إعلان جائزة قدرها مليون درهم للمتسوقين، فصرت أشتري ما يلزمني وما لا يلزمني للحصول على أكثر عدد ممكن من القسائم.. وهكذا أسهم صاحبكم في إنعاش الاقتصاد الدبوي، وما زلت أجلس محتضنا جهاز الهاتف في انتظار البشارة.. وسيعرف القراء أنني فزت بالمليون عندما يختفي اسمي من صفحاتها، إذ لا يليق بمليونير أن يكتب في صحيفة عربية. وقد أكتب زاوية أسبوعية في «الهيرالد تريبيون» إذا ألح أصحابها علي أن أفعل ذلك.. وسأتبرع بمبلغ ضخم لإقامة شبكة صرف صحي في غزة بشرط ألا يدعوني أهلها إلى حضور مراسم افتتاحها، فليس من العدل أن يُطلب من ثري مثلي أن يغشى مكاناً مثل غزة. حاشا.. سأقيم بصفة شبه دائمة في مونت كارلو، وسألعب في صالاتها القمار حتى تلد دراهمي دولارات واسترلينيات مجاراة للتقاليد العربية الراسخة التي تبيح الميسر في الدول الأجنبية... كل الحرام حلال خارج أوطاننا بحسب نصوص فقه السياحة. (بالمناسبة هل سمعتم حكاية صاحبنا السعودي الذي ظل يشترك في كل المسابقات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية ويشتري البضائع من كل محل تجاري يعلن طرح حوافز وجوائز؟.. ظل يفعل ذلك سنوات طويلة إلى أن ابتسم له الحظ في مطلع الشهر المنصرم وكسب مشروباً غازيا قيمته نصف ريال، فاتصل بالصحف العربية كافة ليزف إليها الخبر السعيد.. ثم اكتشف أن ذلك المشروب ذو صلاحية منتهية!). ويا أهل دبي الحكاية طال------ت ومسختوها.. إما المليون وإما فلوسي. [email protected]